يوميات مريض كبد مصرى فى الأرياف
ولدت فى الستينات من القرن الماضى فى إحدى قرى الشرقية وكانت متعتنا الوحيدة فى فصل الصيف هى نزول الترع والسباحة فيها، وللأسف كانت قريتنا مثل سائر قرى مصر تفتقد الوعى الصحى، ولاحظت وأنا ما زلت ابن العاشرة بحرقة فى البول ثم أصبح لون البول كله أحمر، وعندما عرف والدى أخذنى إلى الوحدة الصحية بالقرية لإجراء الكشف الطبى والتحاليل الطبية اللازمة، وهنا بدأت رحلة معاناتى مع مرضى التى استمرت حتى الآن، وبعد عمل تحليل البول أخبرنى طبيب الوحدة الصحية الشاب فى ذلك الوقت بإصابتى بالبلهارسيا وبوجوب أخذ حقن الطرطير التى كانت العلاج المتاح فى ذلك الوقت وما أدراك ما هى حقن «الطرطير» المقىء، وهى حقن قاتلة لديدان البلهارسيا ولكنها أيضاً لها أعراض جانبية كثيرة ولابد من أخذها 12 حقنة أسبوعيا فى الوريد، حتى يضمن الشفاء من البلهارسيا، على ألا يعاود المريض الكرة مرة أخرى بنزول الترع، ويشاء قدرى أن تحدث لى مضاعفات أثناء الحقنة الأولى ناتجة عن تسرب العقار خارج الوريد والذى أحدث خراجا فى ذراعى ما زالت آثاره باقية حتى الآن، ونتج عن خوفى ورعبى الشديد من هذه الحقنة المؤلمة أن تهربت من أخذ الحقن الباقية، مما أدى إلى استفحال المرض وحدوث نوبات متعددة من البول الدموى وتليف المثانة والحالب، مما استلزم أكثر من عملية من قبل الأطباء المعالجين لى فى المركز ومستشفيات الزقازيق العامة، التى قضيت فيها شهورا عديدة من حياتى، بيد أن الطامة الكبرى التى لم أعرفها إلا بعد ثلاثين عاما هى دخول فيروس «سى» فى جسدى وكبدى، بسبب أن الحقنة الوحيدة التى أخذتها كانت ملوثة بفيروس «سى» لجهل الأطباء فى ذلك الوقت بوجود هذا الفيروس وطرق العدوى، ليس هذا فقط بل إن الحقن الزجاجية التى يُعطى بها عقار «الطرطير» لا يتم أيضاً تعقيمها التعقيم الكافى، ويتم إعطاؤها من ذراع مريض إلى ذراع مريض آخر دون تغييرها أو حتى تعقيمها، ومرت السنوات كنت أتردد فيها على المستشفيات العامة للعلاج من مضاعفات البلهارسيا على المسالك البولية التى كنت أظن فى وقتها أن ذلك هو مرضى الوحيد، حتى جاء يوم فى أواخر التسعينات أحسست فيه بإجهاد شديد وإعياء ثم أصبح لون البراز أسود، وبعد ذلك أحسست برغبة شديدة فى القىء أدت إلى قىء دموى لأول مرة فى حياتى، ودخلت فى غيبوبة أيضاً لأول مرة فى حياتى، هرعت زوجتى بى إلى المستشفى الجامعى لإنقاذ حياتى ودخلت العناية المركزة لأول مرة وعالجنى الأطباء من الغيبوبة والنزيف، واكتشفت لأول مرة أيضاً أننى مصاب بتليف كبدى ودوالى المرىء وذلك بسبب البلهارسيا وفيروس «سى» اللعين الذى أصبت به فى الصغر من جراء حقنة «الطرطير» الملوثة، وللأسف لم أكتشف المرض إلا بعد أن أنهك كبدى المسكين، وسألت الأطباء هل هناك أمل فى علاج للفيروس؟ فكانت الإجابة كما قالت كوكب الشرق فات الميعاد، ويتحتم أن أتردد على المستشفى والمناظير لربط الدوالى حتى لا يحدث نزيف آخر يفقدنى حياتى، وطبعا نتج عن جهلى بوجود فيروس «سى» فى دمى أن أصيبت زوجتى المسكينة بالفيروس ولكن كان حظها أوفر منى لوجود حقن الإنترفيرون التى أنقذتها من مضاعفات الفيروس، واستمرت رحلة المعاناة معى، وعند زيارة الطبيب آخر مرة اكتشف بؤرة فى الكبد ثبت بالأشعة أنها سرطان كبدى ونصحنى بزراعة كبد، وأنا أعلم أن حالتى متأخرة ولكن لكل داء دواء وأثق أن الشفاء بيد الله.. وأتمنى أن يجد كل مرضى فيروس «سى» الرعاية الطبية اللازمة والدواء المناسب، وأرجو أن يزداد الوعى الصحى، خاصة فى القرى والنجوع.