النواح على إنسان يتألم لن يغنيه عن الألم شيئاً، سيظل يشعر به، كما أن الصراخ فى وجه المتألم كى يتوقف عن الشكوى مما يعانيه لن يجدى هو الآخر. وقديماً قال الشاعر العربى: «ليست النائحة الثكلى كالمستأجرة»، وذلك فى معرض التفرقة بين الأم التى تنوح على ولدها، التى يعكس نواحها ألماً حقيقياً، وبين السيدة «المعددة» التى يتم استئجارها كى تشعل العزاء، لتقبض آخر اليوم أجرتها، «عشان شغلتها كده»!.
أقول ما أقول تعليقاً على الخطاب الذى تبناه عدد من الإعلاميين الذين لم يعجبهم حالة الشكوى التى أصبحت تسيطر على المصريين، والضجر المحسوس الذى يعكسونه فى أحاديثهم عن تردى الأحوال المعيشية، بسبب الإجراءات الاقتصادية التى اتخذتها الحكومة، وترتب عليها ارتفاع غير مسبوق فى الأسعار، أعقبته موجة من البطالة الناتجة عن توقف بعض الشركات والمشروعات عن مواصلة العمل فى السوق المصرية بسبب ارتفاع الدولار، وهناك من يتوقع أن تضاف إلى قائمتها 100 شركة جديدة، إذا لم تتغير الأوضاع الحالية. ماذا يفعل المواطن إزاء كل هذا؟. دخل انكمش بنسبة تصل إلى أكثر من 60%، أعقبته موجة تضخم عاتية، أعقبتها حالة انكماش وركود، أدت إلى بطالة. هل بعد ذلك من الممكن أن نلوم على هذا المواطن؟. أفهم أن بعض الإعلاميين يريدون تسكين المواطن بأى جرعة كلامية، لكن أنى لمن يسمعهم أن يستجيب، وثمة أحاديث رسمية لا تنتهى عن موجة ارتفاع جديدة فى الأسعار، مع مطلع العام الجديد الذى يهل علينا بعد أيام!.
كيف يقبل المواطن نصيحة الإعلاميين الذين يطالبونه بامتصاص الألم وانتظار المزيد وهو يرى من ينصحه بالزهد والتقشف من دولاب الإعلام ينعم بالأطايب، ويرتدى أحدث الأزياء، ناهيك عما تتزين به «أنثى الإعلام» من أدوات ماكياج مستوردة، من الضرورى أن أسعارها ارتفعت، بسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار. مؤكد أن المواطن الرافض للنصيحة يتذكر جيداً الصورة الأولى التى ظهر بها هؤلاء الإعلاميون والإعلاميات، حين كان المضمون غالباً على الشكل، والتدقيق فيما يقولونه للمواطن هدفاً من أهداف صناعتهم، ورصد -بعد ذلك- التحول الذى حدث لهم، بعد أن أصبح الشكل لديهم أهم من المضمون، وبعد أن أصبح لسانهم الناقد بالأمس، يجرى بتوجيه النصح وتقديم المبررات لإجراءات تتخذها السلطة كان لها تأثيرها البالغ على حياة الناس.
مؤكد أن هذا المواطن سمع أيضاً عن الأرقام الفلكية التى يتقاضاها بعض الإعلاميين والإعلاميات، والمصرى من الحصافة بحيث يدرك تأثير الجيب «العمران» على ما يقول به «اللسان»، وكيف أن أكثر من ينصحون غيرهم بالتقشف وابتلاع الضغوط عادة ما يكونون من أصحاب الحياة المخملية، وليس فى مقدور أحدهم أن يتحمل -ولو مجرد التفكير- فى أن يقل مستواه أو تهتز أوضاعه الاقتصادية، بحيث ينتقل من درجة إلى درجة أدنى على السلم الاقتصادى أو الاجتماعى. ربما كان ذلك هو السبب الذى دعا بعض المتضجرين إلى مطالبة أصحاب هذا الخطاب بالتنازل عن جزء من مرتباتهم من أجل مصر، حتى يكونوا قدوة لغيرهم فى المساهمة فى تخفيف آلام بشر، ليس فى مقدورهم احتمالها. وتقديرى أن هذا الرد كان من البلاغة، بحيث يمكننا القول بأنه قطع قول كل «جهيزة» تخطب فى نوافذ الإعلام!.