لا يوجد سؤال أكثر رواجاً بين الإعلاميين هذه الأيام أكثر من: «الدور على مين؟!». السؤال قفز بقوة على ألسنة بعض الإعلاميين عقب توقف برنامج الإعلامى اللامع إبراهيم عيسى على شاشة «القاهرة والناس». اتفق أو اختلف كيف شئت مع «عيسى»، لكن أحداً لا يستطيع أن ينتقص من موهبته كإعلامى متميز، وكواحد من أهم نجوم الصناعة بين أبناء جيله. الاختلاف فى الرأى وارد، أما الحكم المهنى فلا بد أن يتأسس على الموضوعية، بعيداً عن عوامل «النفسنة»!. طرح السؤال مشروع، لكن يبدو من وجهة نظرى متأخراً، فثمة طابور من الإعلاميين الذين توقفوا أو تم إيقافهم خلال السنوات الماضية، وهناك من تم إيقافه، ثم عاد إلى الظهور مرة ثانية، دون أن يقلق أحد. وفى كل الأحوال كان السبب واحداً، تحدد فى التغريد خارج السيرك الإعلامى العام الذى آمن لاعبوه بفكرة «التطبيل والتهريج» أكثر مما آمنوا بغيرها.
السلطة -أية سلطة فى الدنيا- تريد إعلاماً مستأنساً، يفهم مقاصدها وأهدافها ويروج لها ويحشد الناس حولها. وحقيقة الأمر فإن القطاع الأوفر من الإعلاميين وقع فى «فخ السيرك» بصورة ملفتة خلال أشهر طويلة من الفترة التى أعقبت ثورة 30 يونيو. وسمحوا باتهامات مرعبة وجهت إلى كل من تمسك بأهداب المهنة، واحتكم إلى أصولها وقواعدها، فى العمل لصالح المتلقى (قارئ، أو مستمع، أو مشاهد)، والتعبير عن همومه ومشكلاته، وممارسة الحق فى النقد كواجب أساسى من واجبات الإعلام. السلطة منذ عهد محمد على متزوجة من الإعلام زواجاً كاثوليكياً لا طلاق فيه، ولعلك تعلم أن الصحافة فى مصر نشأت -فى الأصل- فى أحضان السلطة، ولأن العلاقة بين الطرفين علاقة زواج، فمن الوارد أن ينطبق عليها المثل المصرى الذى يقول: «جوزك على ما تعوّديه». وقد عود الإعلام السلطة ما بعد 30 يونيو على التغريد باسمها، ومحاولة إرضائها، ونفى أية مضامين تعاكسها أو تتسبب فى إغضابها، ولكن مع تعقد أوضاع المشهد فى مصر خلال عام 2016، على المستويات السياسية والاقتصادية، وكذا على مستوى علاقة مصر بمحيطيها العربى والدولى، بدأ بعض الإعلاميين يمارسون دورهم المعتاد فى تقييم الأداء العام، وكشفوا العديد من ثغراته، وبدأ بعضهم ينكر توجهات ويعترض على قرارات، بصورة لم تتعود عليها السلطة الحالية، وكانت النتيجة انتهاء شهر العسل، والطلاق!.
السلطة فى مصر تتبنى تصوراً واضحاً لأدوار الإعلام، وترى فى إعلام الستينات نموذجاً فذاً للأداء. مؤكد أننى لست بصدد تحليل تجربة الإعلام المصرى خلال هذه الحقبة، لكن يبقى أن الغرام بها، يعكس صورة صارخة من صور إهدار الظروف والتحولات التى شهدتها مصر -ما بعد ثورة 25 يناير- التى فرضت حقائق مختلفة على الأرض، وأوجدت معادلات جديدة، لم يلتفت إليها الكثير من الإعلاميين والسياسيين، حتى بدا مشهد العلاقة بين الطرفين قديماً أشد القدم فى واقع جديد كل الجدة. ثمة ملاحظة أساسية ينبغى إبرازها فى هذا السياق، وهى أن السلطة أحياناً ما تسمح فى الصحف، بما لا يمكن أن تسمح به فى التليفزيون، قناعة منها بأن تأثير الصحف محدود قياساً إلى تأثير القنوات التليفزيونية على الجمهور المتلقى. وربما فسر لك ذلك إقصاء بعض الإعلاميين فى التليفزيون، ومنحهم المساحة فى الصحف. فى كل الأحوال يبقى سؤال «الدور على مين؟» مطروحاً، وقلق الإعلاميين مشروعاً!.