كلام كثير تردد فى أعقاب حالة التسمم الغذائى التى أصيب بها عشرات من طلاب المدينة الجامعية بالأزهر للمرة الثانية، خلال أقل من شهر. يقول بعض الخبثاء إن الجماعة التى تريد الإطاحة بشيخ الأزهر الدكتور «أحمد الطيب» هى من يقف وراء ما يحدث، فتدفع طلابها إلى الخروج -بعد كل حادث تسمم- للمناداة بسقوط الشيخ، فيربط هؤلاء الخبثاء بين الأمرين، ويقولون إن الجماعة لا تتردد فى التضحية بصحة الشباب والمراهنة على حياتهم من أجل تحقيق أهدافها.
والاغتيال بالسم جزء من تاريخ الصراعات داخل المجتمعات المسلمة، والشاعر أحمد شوقى يقول «ومن السموم الناقعات دواء». فما أكثر ما استخدم «السم» فى تحقيق أهداف معينة، فقد استسهل «معاوية بن أبى سفيان» أن يدس السم فى العسل لـ«الحسن بن على» رضى الله عنهما، عن طريق شراء زوجة الثانى «جعدة»، وكان «الحسن» يحب شراب العسل، فتجرع فيه السم ومات. ولحظتها وقف «معاوية» يقول «ولله جنود من عسل»!. فقد كان يعتبر أن دس السم للحسن مهمة مقدسة، يحاول من خلالها أن يجنّب المسلمين فتنة جديدة تراق فيها الدماء، لذلك لم يتورع عن وصف العسل المسموم بأنه جندى من جنود الله.
ومن قبل «الحسن» اغتيل على بن أبى طالب بسيف مسموم، على يد عبدالرحمن بن ملجم. وقد تم طعن «معاوية» فى نفس الوقت الذى طعن فيه «على» بسيف مسموم أيضاً، لكن الطعنة لم تكن قاتلة وعولج «معاوية» من السم الذى تم تطعيم السيف به. وتذكر كتب التاريخ أن السم بعد ذلك كان الأداة التى يوظفها الطامعون فى الحكم والسيطرة والاستحواذ فى التخلص من منافسيهم، فكذلك فعل «مروان بن الحكم» مع الخليفة الأموى الثالث «معاوية بن يزيد» ليستولى على الحكم من بعده، فى حين مات «مروان» نفسه مسموماً على يد أم «خالد بن يزيد» التى أرادت الانتقام منه لأنه عهد بالخلافة من بعده لابنيه وليد وعبدالعزيز. وفى العصر العباسى قام عبدالله المهدى بدس السم لوالده الخليفة «المهدى»، لأنه تباطأ عن جعل الأمر له من بعده.
فأمام السعى نحو السيطرة على الحكم يمكن أن يستسهل البعض دس السم فى كل اتجاه من أجل تحقيق ذلك، فما أسهل أن تدس الزوجة السم لزوجها كما فعلت «جعدة» زوجة «الحسن»، وما أسهل أن يدس الابن السم لأبيه، كما فعل «ابن المهدى». فهل من الممكن أن نستبعد فى ظل ذلك أن يسعى الحكام إلى دس السم لمن لا تربطهم بهم أية صلة قرابة، ويجدون أنهم عقبة فى طريق تحقيق أهدافهم فى الاستئثار بالملك؟. التاريخ يؤكد والواقع يصدّق.. لذلك عليك من «هنا ورايح» أن تحذر وأنت تأكل غذاءك.. قد يكون فى الغذاء سم قاتل!.