بالفيديو| في ذكرى بنائه.. السد العالي "حكاية شعب"
صورة أرشيفية
تحرير السيطرة الأجنبية اقتصاديًا تطلبت إجراءات عدة اتخذها الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، أشهرها تأميم قناة السويس وإعلانها شركة مساهمة مصرية، وبعد 4 سنوات كان البدء في بناء السد العالي، المشروع الأضخم في هذا التوقيت، حيث يعتبر أعظم وأكبر مشروع هندسي في القرن العشرين من الناحية المعمارية والهندسية، متفوقًا في ذلك على مشاريع عالمية عملاقة أخرى.
في 9 يناير 1960 بدأ العمل على إقامة السد العالي لحماية مصر من الفيضانات العالية، التي كانت تفيض على البلاد وتغرق مساحات واسعة فيها أو تضيع هدرًا في البحر المتوسط.
أهمية بناء السد العالي، أفردتها وزارة الموارد المائية والري في تقرير عنه، بأن المصريين أدركوا أهمية النيل منذ أقدم العصور، فأقيمت مشروعات التخزين السنوي مثل خزان أسوان وخزان جبل الأولياء على النيل للتحكم في إيراد النهر المتغير، كما أُقيمت القناطر على النيل لتنظيم الري على أحباس النهر المختلفة، إلا أن التخزين السنوي لم يكن إلا علاجًا جزئيًا لضبط النيل والسيطرة عليه، فإيراد النهر يختلف اختلافًا كبيرًا من عام إلى آخر، فقد يصل إلى نحو 151 مليار متر مكعب أو يهبط إلى 42 مليار متر مكعب سنويًا، وهذا التفاوت الكبير من عام لآخر يجعل الاعتماد على التخزين السنوي أمرًا بالغ الخطورة، حيث يمكن أن يعرض الأراضي الزراعية للبوار، في السنوات ذات الإيراد المنخفض.
وبسبب هذه الأزمة اتجه التفكير إلى إنشاء سد ضخم على النيل لتخزين المياه في السنوات ذات الإيراد العالي؛ لاستخدامها في السنوات ذات الإيراد المنخفض، فكان إنشاء السد العالي أول مشروع للتخزين المستمر على مستوى دول الحوض يتم تنفيذه داخل الحدود المصرية.
ونظم المهندسون حفلًا بمناسبة بدء بناء السد العالي في جامعة القاهرة، وحضره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، الذي أكد وضع المصريون آمال كبيرة على المهندسين في إنشاء هذا المشروع الضخم، الذي تقدّم المهندس المصري اليوناني الأصل أدريان دانينوس إلى قيادة ثورة 1952 بمشروع لبناء سد ضخم عند أسوان؛ لحجز فيضان النيل وتخزين مياهه وتوليد طاقة كهربائية منه.
وبدأت دراسات إنشائه في 18 أكتوبر 1952 بناء على قرار مجلس قيادة ثورة 1952 من قبل وزارة الأشغال العمومية (وزارة الري والموارد المائية حاليا)، وسلاح المهندسين بالجيش ومجموعة منتقاة من أساتذة الجامعات، حيث استقر الرأي على أن المشروع قادر على توفير احتياجات مصر المائية.
في أوائل عام 1954 تقدمت شركتان هندسيتان من ألمانيا بتصميم للمشروع، وراجعت لجنة دولية بمراجعة هذا التصميم وأقرته في ديسمبر 1954، كما تم وضع مواصفات وشروط التنفيذ، وطلبت مصر من البنك الدولي تمويل المشروع، وبعد دراسات مستفيضة للمشروع أقر البنك الدولي جدوي المشروع فنيا واقتصاديا، وفي ديسمبر 1955 تقدّم البنك الدولي بعرض لتقديم معونة بما يساوي ربع تكاليف إنشاء السد.
وبسبب الضغوط الاستعمارية سحب البنك الدولي عرضه في 19 يوليو1956، وبعدها في خطاب رسمي أوضح عبدالناصر أنه خلال المفاوضات لم يكن يشعر بالنية في تمويل مشروع السد لعدم خضوعهم للشروط الأمريكية، إلا أنه في 27 ديسمبر 1958 تم توقيع اتفاقية بين روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) ومصر لإقراض مصر 400 مليون روبل لتنفيذ المرحلة الأولي من السد، واقترح الخبراء السوفييت بعض التحويرات الطفيفة، وكان أهمها تغيير موقع محطة القوي واستخدام تقنية، خاصة في غسيل وضم الرمال عند استخدامها في بناء جسم السد.
وبدأ العمل في تنفيذ المرحلة الأولي من السد في 9 يناير 1960، وشملت حفر قناة التحويل والأنفاق وتبطينها بالخرسانة المسلحة وصب أساسات محطة الكهرباء وبناء السد حتى منسوب 130 مترًا.
وفي 27 أغسطس 1960، تم التوقيع على الاتفاقية الثانية مع روسيا (الاتحاد السوفيتي سابقا) لإقراض مصر 500 مليون روبل إضافية؛ لتمويل المرحلة الثانية من السد.
والسد العالي عبارة عن سد ركامي طوله عند القمة 3830 مترا، منها 520 مترا بين ضفتي النيل ويمتد الباقي على هيئة جناحين على جانبي النهر، ويبلغ ارتفاع السد 111 مترا فوق منسوب قاع نهر النيل وعرضه عند القمة 40 مترا.
وتقع محطة الكهرباء على الضفة الشرقية للنيل معترضة مجرى قناة التحويل التي تنساب منها المياه إلى التربينات، من خلال 6 أنفاق مزودة ببوابات للتحكم في المياه، إضافة إلى حواجز للأعشاب، وتنتج محطة الكهرباء طاقة كهربائية تصل إلى 10 مليار كيلووات/ساعة سنويا.