«جميلة».. بائعة الأنابيب: السلالم قطعت نفسى
«جميلة» بائعة أنابيب فى شارع فيصل
تحاول أن تتماسك، تتحمل الألم والتعب، تكتم الحزن بداخلها، تبدو قوية وهى تجر أنابيب البوتاجاز فى الشوارع، وتزداد قوة عندما ترفعها بيديها لتسندها برأسها، وتصعد بها إلى أدوار مرتفعة، يراها السكان بشارع فيصل يومياً، وبحكم العادة أصبح مشهد سيرها وهى تجر عجلة الأنابيب عادياً وغير لافت للأنظار. جميلة محمود عبدالعزيز، امرأة تفعل ما يعجز عنه الكثيرون، يكتفى المارة بإلقاء كلمات عليها من قبيل: «الله يعينك يا ست جميلة»، تخرج من أفواههم لدعمها والتخفيف عنها، فترد هى بابتسامة وتمر بعدها كما تمر أيامها. ساعات طويلة تقضيها فى الشارع تعمل بهمة ونشاط، وما إن تدخل المنزل وتستلقى على السرير لترتاح حتى تداهمها الآلام فى جميع أنحاء جسدها، صداع فى رأسها بسبب حمل الأنبوبة طوال اليوم، وفى يديها بسبب الشيل والجر، وفى قدميها بسبب السير لفترة طويلة وصعود السلالم، حتى ظهرها يؤلمها بمجرد أن يلامس سطح السرير: «بخاف على بناتى ونفسى أريحهم، بنتى صفاء بتشيل الأنابيب زى حالاتى، وولادها التلاتة بيكونوا معاها، وجوزها أرزقى غلبان، وبنتى التانية عندها 25 سنة مريضة سكر، وجوزها سواق على قد حاله، ساعات لما بقعد لوحدى بعيط، بتصعب عليَّا نفسى».
تعول زوجها وأولادها وأحفادها ولا تتمنى سوى الستر والصحة
لدى «جميلة» ولدان وثلاث بنات، تزوجوا جميعاً، لكنها تحمل همهم طوال الوقت، الظروف قاسية عليهم، وهى كالعمود الذى يسندهم، بالإضافة إلى مسئوليتها عن زوجها: «اللى يخلينى أمشى كده وأشيل وأتعب، الراجل معايا تعبان، بيحتاج كل أسبوع بـ300 جنيه علاج، ومعاشه مش مكفى، الضغط وجلطة فى رجله، ودوا الضغط لوحده بـ65 جنيه». وسط كل هذه المشاكل التى تحاصرها لا تنسى «جميلة» أى خير تصادفه: «مرة سواق تاكسى وقف لى، نزل وقال لى تؤمرى بحاجة يا أمى، أنا حاسس بتعبك، لو فى إيدى حاجة أقدر أعملهالك، قلت له شكراً يا ابنى ما انت تعبان زيى وكلنا بنجرى على أكل عيشنا، حسيت وقتها إن الدنيا لسه بخير». أكثر مهمة تجهد «جميلة» هى صعود السلالم، حيث تصل أحياناً إلى الدور السادس وعلى رأسها الأنبوبة، تلهث وراء أنفاسها من أجل مكسب لا يزيد على 5 جنيهات، ومع ذلك لا تتمنى لنفسها شيئاً، كل أمنياتها أن يصلح الله من حال البلد: «نفسى البلد تتحسن والشباب يشتغلوا، وأنا مش عايزة غير الستر والصحة».