«بابا.. أنا أحبك». هذه هى المبادرة التى حدثت فى مدرسة ابتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث طلبت إحدى المدرسات من تلاميذ الفصل أن يتصل كل واحد منهم هاتفياً بوالده ليخبره أنه يحبه. وفى إحدى الجامعات الأردنية، طلب الدكتور من طلابه الاتصال بذويهم على السماعة الخارجية (speaker) وأن يصرحوا لهم بحبهم أمام الطلاب الآخرين. وفى المملكة العربية السعودية، أطلق مركز المودة بجدة مبادرة أطلق عليها «أحبك يا بوى أحبك أمى». وفى أحد البرامج التليفزيونية العربية، وجّه المذيع سؤالاً إلى العديد من الشباب عن آخر مرة قال كل واحد منهم كلمة «بحبك» لأبيه، فكانت إجابة معظمهم بأنهم لا يتذكرون. وعلى أثر ذلك، طلب المذيع من الشباب أن يتصلوا بآبائهم للتعبير عن حبهم لهم، فكانت ردود فعل الآباء صادمة، حيث استغرب معظمهم هذا الاتصال.
والملاحظ فى كل الحالات السابقة أنها تتعلق بالعلاقة بين الأبناء والآباء. فلم يتطرق أى منها إلى التصريح بالحب الرومانسى بين الأزواج. والملاحظ أيضاً فى أداء تلاميذ المرحلة الابتدائية هو شعورهم بالخجل لحظة اتصالهم بآبائهم. وذات الملاحظة تصدق كذلك على طلاب الجامعة الأردنية، حيث وضح عليهم الخجل عند اتصالهم بذويهم. كذلك، لوحظ أن بعض الآباء قد تعاملوا ببرود وإهمال مع اتصال أبنائهم. ويمكن القول إن درجة البرود فى ردة الفعل لدى الآباء أعلى بكثير من ردة فعل الأمهات.
وبوجه عام، يمكن القول إن ثقافة الحب تكاد تكون منعدمة فى معظم المجتمعات الشرقية. ويعتقد البعض أن الحب عيب أو لا يليق بكبار السن. ومن النادر أن نجد زوجاً يعبر عن حبه لزوجته أمام أبنائه أو أمام الآخرين. وغالباً ما يجد الشخص حرجاً فى التعبير عن مشاعره الودية تجاه الآخرين.
ولتبديد هذا الاعتقاد الخاطئ، ولتغيير ثقافة الحب فى بلادنا، نرى من الملائم أن نشير إلى بعض آداب الحب فى السنة النبوية. ففيما يتعلق بالحب بين الأزواج، يمكن أن نذكر العديد من الأمثلة على حب وملاطفة الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته. ومن صور الملاطفة والدلال، نداء الزوجة بأحب الأسماء إليها أو بتصغير اسمها أو ترخيمه. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينادى عائشة قائلاً: يا عائش. وكان يقول لها أيضاً: يا حُميراء. والحميراء تصغير حمراء، يراد بها البيضاء بحمرة. وأخرج مسلم من حديث عائشة فى الصيام قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبّل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك رضى الله عنها. وفى حديث عائشة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن من أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله».
وفيما يتعلق بالتعبير عن الحب بين الأصدقاء، يقول الرسول الكريم: «إذا أحب أحدكم صاحبه أو أخاه فليعلمه». وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه». وفى رواية أخرى: «إذا أحب أحدكم أخاه فليعلمه، فإنه أصلح لذات البين». وعنه صلى الله عليه وسلم: «أبدِ المودة لمن وادّك تكن أثبت». وقال: «إذا أحب أحدكم أخاه فى الله فليعلمه، فإنه أبقى فى الألفة، وأثبت فى المودة». وكان رسول الله يحب معاذ بن جبل، ويُظهر له هذا الحب ويقسم على ذلك. فقد روى الإمام أحمد بن حنبل فى إسناده إلى معاذ بن جبل قال: لقينى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معاذ إنى لأحبك، قلت يا رسول الله وأنا والله أحبك.
ما أحوجنا إلى التعبير عن الحب للآباء والزوجة والأولاد. وما أحوجنا إلى نبذ الكراهية والتعصب من حياتنا. ولنتعلم جميعاً التعبير عن الحب، ونعلمه لأبنائنا، حتى ينشأ المجتمع المتماسك القوى القادر على مواجهة تحديات العصر الذى نعيشه.