كانت لحظة سعادة حقيقية تلك التى أعلن فيها المستشار «أحمد الشاذلى» حكمه التاريخى برفض طعن الحكومة على حكم القضاء الإدارى ببطلان التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية، بما يترتب عليه من تأكيد السيادة المصرية على جزيرتى تيران وصنافير. الحكم كان متوقعاً، فى ظل ما قدمته هيئة الدفاع من وثائق دامغة بمصرية الجزيرتين، وعجز الحكومة عن تقديم ما يدحضها، وكذا فى ظل تقرير مفوضى الدولة، الذى سبق وحدثتك عنه ذات مرة، الذى يؤكد الحقيقة نفسها. كانت لحظة سعادة تصادم معها هذا اللغو العجيب، والطرح المريب الذى قدمه بعض الإعلاميين والساسة وبعض نواب الشعب، حين أخذوا يدافعون من جديد عن سعودية الجزيرتين، رغم الحكم البات والقاطع للمحكمة الإدارية العليا.
عاد هؤلاء البؤساء إلى عادتهم فى الدفاع عن سعودية الجزيرتين أكثر من السعودية. لا بأس قد يكون ذلك رأيهم، لكنهم لم يقدموا أى دليل يبرر لغوهم (هناك علاقة ترادف بين كلمة لغو وكلمة هرى)، كانوا فقط يصرخون، اكتفوا فقط باتهام من يدافع عن حكم قضائى بات وقاطع بأنهم طابور خامس، وأخذوا يحاضرون -ويا للمفارقة- فى الوطنية، وكيف أن من يدافع عن مصرية الجزيرتين يعمل ضد مصر!. أعصابهم كانت متوترة للغاية، ووجوههم تعلوها الكآبة والغضب، ليس لشىء، سوى أن القضاء أثبت مصرية الجزيرتين. بعضهم تحدى وقال إن من حق مجلس النواب نظر الاتفاقية التى وافقت عليها الحكومة، رغم أن الحكم عليها جعلها فى حكم «الميتة»، ينطبق عليها مقولة «إعدام ميت». اتفاقية التنازل عن تيران وصنافير ولدت ميتة بالفعل، لأنها جاءت بلا سند ولا دليل، سوى الثرثرة، ولو كان هناك وثيقة أو دليل على ما ذهبت إليه الحكومة أو الصارخون بسعوديتها لتقدموا به إلى المحكمة. حديث هؤلاء اليوم عن أن الجزيرتين سعوديتان وأن الاتفاقية سوف تعرض على مجلس النواب رغم صدور حكم ببطلانها يعنى ببساطة أنهم سيجبرون الشعب ويتجاوزون القضاء ويفعلون ما يريدون. لست أجد بؤساً فى التفكير يعادل هذه الدرجة من البؤس!.
هؤلاء البؤساء يظنون أن بإمكانهم تمرير ما يريدون، رغم أنف الشعب، ورغم أحكام القضاء، ولا أجد دليلاً أكثر وجاهة على بؤسهم من «اللكلكة» بموضوع لجوء السعودية إلى «التحكيم الدولى». أى تحكيم وأى دولى يا هؤلاء؟!. هل ستكون الحكومة الحالية هى الخصم والحكم؟!. إننى لم أسمع عن وثيقة سعودية واحدة تقول بتبعية الجزيرتين لها، كل ما خرج فى هذا السياق مجرد مجموعة من المخاطبات بين مسئولين مصرى وسعودى فى ذمة الله، وقد خرج على ألسنة ومصادر وجهات مصرية. أى تحكيم هذا الذى يمكن أن تقوده الحكومة المصرية الحالية؟. هل ستذهب إلى محكمة العدل الدولية دفاعاً عن مصرية الجزيرتين، أم سعوديتهما؟. وهل مطلوب أى دور من الطرف السعودى أمام ساحات المحاكم، أم أن الطرف المصرى سيقوم بالمهمة عنهم؟. وهل مجموعة الإعلاميين الذين يدافعون عن سعودية الجزيرتين حالياً سيذهبون إلى الأمم المتحدة فى الزفة المعتادة للرقص لمصر أم للمملكة؟. بعد كل هذه الأسئلة يبقى سؤال: عمرك شفت بؤس تفكير أكتر من كده؟!.