بقتل عشان أنسى
لا يبدى اهتماما بجريمته، ولا فزعا من مصيره.. كأنه لم يفعلها.. كأنه لم يسحب شخصا بريئا من سيارته، يدفعه بفوهة بندقية مصوبة إلى رأسه.. كأنه لم يجبره على الانبطاح على الأرض.. كأنه لم يفعلها، لم يضغط على الزناد حتى أفرغ خزينة بندقيته «كاملة» فى جسد الضحية، منتشيا بجريان الدم ملطخا رقعة الأسفلت..[FirstQuote]
لا يهتم محمد الميت (26 سنة) بجريمته، التى راح ضحيتها تاجر فاكهة على الطريق الدائرى بأكتوبر يوم الثلاثاء الماضى، لا يبدو مهتما بها كما يهتم بأناقته، أو بتصفيف شعره أو ملابسه التى يفخر بكونها «ماركة عالمية»، ولا يجد حرجا من الإشارة إلى أنه يرتكب جرائمه بغرض النسيان: «بقتل عشان أنسى جريمة القتل اللى قبلها» وباستهانة واضحة: «إيه اللى حصل؟.. جينا نسرقة قتلناه.. إيه المشكلة؟».
يقف «الميت» متماسكا أمام اللواء محمود فاروق مدير المباحث الجنائية بالجيزة، الذى يستجوبه بتهمة قتل وليد خليل (35 سنة) تاجر فاكهة، رميا بالرصاص أثناء سرقته، لا تفارق «الميت» ابتسامته وهو يقول له «يا بيه احنا مكانش قصدنا نقتله بس ده اللى حصل كنا بنسرقه وقتلناه.. نصيبه كده، هنعمل له إيه؟».
يتحدث «الميت» عن نفسه وكأنه بطل، يتباهى بجرائمه ويفتخر بوقائع القتل التى ارتكبها ولا يفارقه الزهو وهو يتحدث عن تكوينه تشكيلا عصابيا تخصص فى جرائم السطو المسلح، وعن سيرته: «أنا مواليد 1986 مركز أبشواى بمحافظة الفيوم، أنا كنت أصلا نجار مسلح وبعدين اتخنقت من الشغلانة رحت مسافر القاهرة وكان عندى 23 سنة وقتها واشتغلت مع مقاول فى منطقة المرج وأثناء عملى اتعرفت على واحد اسمه «ممتاز» كان بيشتغل معايا».[SecondQuote]
يتحسس الميت تسريحة شعره ويتابع: «بعد الثورة سبت الشغل أنا وممتاز وسمعنا عن وقائع السرقات بالإكراه المنتشرة فى البلد وقتها، اتفقت أنا وممتاز على تثبيت الناس بالليل فى منطقة المرج، أول يوم أنا كنت خايف أوى.. اشترينا فرد خرطوش وثبتنا طالب وأخدنا منه هاتف محمول و200 جنيه وساعة ودبلة وبعد كده قلبى جمد وكررنا الموضوع ده كتير».
يطلب سيجارة ويشترط: «بس أجنبى يا باشا» ويكمل: «من حوالى سنة اتعرفت على باقى المتهمين اللى ارتكبوا معايا واقعة قتل «وليد» أثناء ارتكابنا واقعة سرقة فى منطقة المرج، وبدأنا فى تكوين التشكيل العصابى، وكنا نسرق السيارات بالإكراه وبعدين بنساوم صاحبها على دفع مبلغ مالى يتراوح ما بين 10 و30 ألف جنيه، على حسب إمكانيات كل واحد، واللى كان يحاول يقاومنا نقتله ونخلص وارتكبنا حوالى 15 واقعة مماثلة وفيه حوالى 3 اتقتلوا قبل كده فى وقائع مماثلة».
يترك المتهم كلامه عن جرائمه السابقة وينتقل للحديث عن جريمة قتل المجنى عليه وليد خليل الذى تخلص منه أعلى الكوبرى الدائرى بمنطقة أكتوبر: «إحنا كنا ماشيين بسيارتين أنا وباقى المتهمين عشان نسرق سيارة فى منطقة المرج وأثناء سيرنا على الطريق الدائرى شاهدنا المجنى عليه ركن سيارته على جانب الطريق نزلنا وهددنا القتيل وتباع كان معاه بالأسلحة الآلية وسرقنا منه 3 آلاف جنيه وأجبرناه على الانبطاح على وجهه وأطلقت عليه الرصاص وهربنا إلى أبشواى فى الفيوم وكل واحد أخد نصيبه من الواقعة، ومفيش يومين ولقيت العميد مجدى عبدالعال رئيس مباحث أكتوبر والعميد حسام فوزى مفتش المباحث والرائد محمد ربيع معاون المباحث عندى فى الشقة وقالوا لى: وقعت يا ميت تعبتنا سنة كاملة بنلف وراك.. أنا ضحكت وعرفت هما عايزين إيه واعترفت بكل حاجة».
لكن فى منزل المجنى عليه يبدو الوضع مختلفا أسرة القتيل لا تكف عن ترديد تلك الكلمات: «حسبنا الله ونعم الوكيل.. إحنا عايزين حق أخونا.. مات وساب طفل عمره سنتين.. ربنا ينتقم منهم.. أصل مفيش شرطة ولا فى أى حاجة فى البلد».
وبحسرة واضحة يؤكد ياسر شقيق المجنى عليه وليد خليل: «الواحد مبقاش عارف يعيش فى البلد دى».
يشرح شقيقه ملابسات مقتله ويقول إن القتيل تحرك من منزله بشارع مسجد الرحمن بمنطقة بشتيل بإمبابة فى الساعة 10 من صباح يوم الثلاثاء الماضى إلى سوق الجملة بمنطقة أكتوبر لشراء كمية من الفاكهة لتوزيعها فى منطقة إمبابة وبشتيل وأوسيم «أصل إحنا ناس بنتاجر فى الفاكهة من زمان أوى».[ThirdQuote]
ويتابع دامعا «مفيش ساعتين اتنين ولقيت حد من المباحث بيتصل بينا وقالنا: أخوكم اتقتل فى أكتوبر واتسرقت منه الفلوس، إحنا طبعا مصدقناش الكلام ده ورحنا، لقيت منظر عمرى ما أنساه شفت وليد غرقان فى دمه بجوار سيارته وناس كتير واقفه أمام الجثة عمالة تتفرج».
يتوقف ياسر 10 دقائق ثم يتابع كلامه قائلا «يعنى هو ده ذنبه أن مفيش حكومة فى البلد تحمى الناس من البلطجية، أخويا كان بيجرى على أكل عيشه ومات غدر، المتهمون قتلوه زى ما يكون أسير فى حرب نيموه على وشه وأطلقوا عليه الرصاص».
ويصرخ بصوت مبحوح «مين اللى هيربى عياله.. ده متجوز من حوالى 15 سنة وعنده 5 أولاد أكبرهم عمره 12 سنة، مش هنسى أن آخر حاجة قالها لى خلى بالك من العيال يا ياسر لو حصلى حاجة.. محدش ضامن عمره زى مايكون قلبه كان حاسس».