أحزاب «25 يناير» كانت صرحاً من «كلام» فهوى
ثورة 25 يناير 2011
شهدت ثورة 25 يناير 2011 مولد مئات من الأحزاب السياسية والحركات الثورية والشبابية، التى لم يتبق منها فى ذكراها السادسة من أثر سوى «فتات»، حيث أصابها الخمول والضعف ولم يعد لها أى تأثير فى الشارع، ولم يستمر دورها طويلاً، بعد فشلها فى الاتحاد والاندماج، وغلب عليها الصراعات والانشقاقات بداخلها، وبدأت تضعف قوتها ووجودها على الساحة تدريجياً، ولم يعد لها أى وجود على الساحة.
وتعد حركة 6 أبريل أكثر الحركات الشبابية شهرة منذ ثورة يناير 2011، حيث كانت الأكثر وجوداً فى الفعاليات الميدانية وصولاً إلى 30 يونيو، والأكثر سيطرة على الإعلام من حيث ظهور أعضائها، إلى أن دبت فيها الصراعات والانقسامات بين جبهتى «أحمد ماهر»، و«الجبهة الديمقراطية»، وكانت تظهر بين الحين والآخر بوادر لتقريب وجهات النظر بين الجبهتين، إلا أنها كانت تنتهى بالفشل، بسبب إصرار كل جبهة على تزعم خلية العمل السياسى، حتى تم القبض على كل من أحمد ماهر ومحمد عادل القياديين الرئيسيين فى الحركة، بتهمة الشغب أمام محكمة عابدين فى نوفمبر 2013، وحُكم عليهما بالسجن، حيث قضى «ماهر» 3 سنوات فى سجن طرة، بتهمة إثارة الشغب والاعتداء على رجال الشرطة، حتى خرج من محبسه الشهر الماضى، وخرج «عادل» قبل يومين.
أصابها التعدد والتشتت فى ذكرى تأسيسها السادسة.. والحركات الثورية «تفتتت»
وأعقب ذلك القبض على عمرو على، أحد مؤسسى الحركة ومنسقها العام، بتهمة إثارة الرأى العام، قبل أن تأتى الكلمة الفصل فى مارس 2015، بقرار محكمة القاهرة للأمور المستعجلة بحظر الحركة والتحفظ على أموالها ومقراتها، ما دفعها إلى «بيات شتوى» والاختفاء، مع ظهور خافت فى مسيرات ومظاهرات «تيران وصنافير» الأخيرة على سلالم نقابة الصحفيين.
مثلما حدث مع «كفاية»، تلك الحركة التى كانت «أم» كل الحركات الثورية فى مصر منذ تدشينها فى 2005، وانبثق عنها كل النشطاء السياسيين، إلا أنها أصبحت الآن تعانى قلة شديدة فى عدد أعضائها، بسبب الاستقالات التى قدموها فى عهد الإخوان، وبعد عزلهم عن الحكم، وبسبب انقسام قياداتها حول دعم الرئيس عبدالفتاح السيسى، وحمدين صباحى فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، حتى إن منسقها العام الدكتور عبدالحليم قنديل، أعلن دعمه للسيسى فى الانتخابات، وكذلك الدكتورة كريمة الحفناوى وغيرهما، ما أثار غضب العديد من شباب الحركة، وجعلهم يحاولون بناءها من جديد وتدعيم قواعدها فى المحافظات، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل، حتى باتت الحركة منتهية سياسياً، وموجودة اسماً فقط.
«زهران»: الأطراف الأساسية فى تحريك الثورة انتهت والمناخ غير محفز والقوى الشبابية لا تمتلك رؤية موحدة أو أرضية مشتركة.. و«فهمى»: غياب البعد السياسى وقلة خبرة الشباب أضعفت دورهم.. و«حبيب»: حركات وتيارات الإخوان معظمها منغمسة الآن فى أعمال العنف.. ولا بد من تشكيل فريق ووضع خطة عمل لتجفيف منابعها لإعطاء فرصة للشباب المتعرض للانضمام لمراجعة أنفسهم
وفى 3 أبريل 2011 ظهر حزب المصريين الأحرار على يد مؤسسه المهندس نجيب ساويرس رجل الأعمال بالاشتراك مع مجموعة من المفكرين والسياسيين، واستمر الحزب يزداد قوة حتى أصبح الحزب الأول ذا المقاعد الأكبر فى مجلس النواب بحصوله على 65 مقعداً، إلا أن هذه القوة لم تستمر طويلاً حتى طالت الصراعات والانقسام الحزب ورجاله، ليتكون جناحان الأول يرأسه ساويرس والآخر يتزعمه الدكتور عصام خليل رئيس الحزب.
وشهد حزب «المؤتمر» الذى أسسه الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى عقب ثورة 25 يناير، أزمات وانشقاقات وموجات استقالات جماعية، بعد أن استقال مؤسسه منه وبدأت الصراعات والانشقاقات تدب فى داخله، ولم ينج حزب الدستور الذى أسسه الدكتور محمد البرادعى، نائب رئيس الجمهورية السابق ليكون منبراً لليبرالية جامعاً للشباب من أزمات داخلية أدخلته فى دوامة الصراعات والانقسامات التى أدت لتقديم عشرات القيادات ومؤسسى الحزب استقالاتهم، بعد استقالة «البرادعى» من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية السابق، وانسحابه من رئاسة الحزب فى 2013، فبدأ فى الانهيار وبدأت الخلافات تطفو على السطح، ودخل حزب الحركة الوطنية، الذى أسسه الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء الأسبق نفقاً مظلماً، رغم التوقعات التى أعقبت تأسيسه فى يناير 2013 بأن يصبح واحداً من أكبر الأحزاب فى الشارع السياسى، إلا أن هذا لم يحدث أبداً، وبدأت المشاكل والانقسامات تضرب الحزب واحدة تلو الأخرى، واستقال منه معظم قيادات الحزب على رأسهم الدكتورة لميس جابر وغيرها من القيادات، حتى استقال مؤسس الحزب نفسه الفريق أحمد شفيق، وكانت حركة «تمرد» الشُعلة المفجرة لتحضيرات ثورة 30 يونيو 2013، التى جمعت نحو 22 مليون توقيع على استمارات إسقاط محمد مرسى الرئيس المعزول وإخوانه، وهى الآن تنتظر شهادة الوفاة الرسمية لكيانها، بعد انقسامها إلى 3 جبهات فى العامين الأخيرين، وشهد تيار الإسلام السياسى فى الفترة الأخيرة، ومنذ ثورة 25 يناير صراعات عديدة إلى الآن، حتى يمكن القول إن كل مكونات التيار باتت فى حالة من الصراع الدائم، وسط مخططات القتل والشغب والعنف التى تبنتها بعض تيارات الإسلام السياسى، وعلى صعيد جماعة الإخوان تصارع جيل الشيوخ من الإخوان مع الشباب، حيث يتهمهم الشباب بالمسئولية عن الأزمات التى وقعت للجماعة بعد ثورة يناير 2011، والتى بدأت مع إصرار القيادات على خوض الانتخابات الرئاسية رغم وعود سابقة بعدم ترشيح أحد منهم، وكذلك إصرارهم على الاعتصام فى رابعة وإيهام الشباب بقرب انتهاء الأزمة، وغيرها من المواقف المخزية من قيادات الجماعة التاريخية، وأيضاً اشتعل صراع آخر حول نهج التعامل مع السلطة فى مصر، حيث طالب قطاع من الشباب المتعصب بالانخراط فى العنف ضد الدولة، وقاد هذا الجانب محمد كمال، عضو مكتب الإرشاد، ولم يفلت التيار السلفى من هذا الصراع والانقسام، على الرغم من تظاهره بالقوة والتماسك بعد ثورة 25 يناير، إلا أنه عقب سقوط حكم الإخوان انقسمت السلفية بين جماعات عادت لممارسة الدعوة سراً ورفض العمل السياسى، وجماعات تمسكت بالعنف وهربت إلى قطر وتركيا لتقود العنف من هناك.
وقال الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية، إن الحركات الثورية كان لها مرحلتان، فبعد 25 يناير كانت فى مرحلتها الذهبية وكان الطبيعى أن يظهر العديد من الحركات والأحزاب السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، كل منها يؤدى دوره، والمرحلة الثانية كانت بعد 30 يونيو، التى شهدت ظهور واختفاء بعض منها، مثل حركات الاشتراكيين الثوريين وثوار مصر ومصر المستقبل، التى كانت حركات تظهر وتختفى وتظهر فى توقيتات معينة، موضحاً أنه على الجانب الآخر كانت هناك حركات ظهرت داعية للتغيير العنيف، التى تبنت خيار العنف، مثل حسم وثوار، كلها خرجت من تحت عباءة الإخوان، وأضاف «فهمى» لـ«الوطن»، أن من أهم أسباب اختفاء تلك الحركات التى خرجت من رحم ثورة 25 يناير، هو غياب البعد السياسى فى أغلب مراحل التحول، نتيجة لعدم وجود أحزاب مؤثرة، وعدم استغلال تلك الحركات لحالة الفراغ السياسى، لافتاً إلى أن هناك وهماً أُخذ عن الحركات الثورية أن أغلبها اشتراكية أو ممتدة من اليسار أو الشعبويين أو الفوضويين، مشيراً إلى أن هناك حركات ظهرت فى عهد «مبارك» وأدت دورها كحركة كفاية وحركة التغيير وانتهت بعدها، كما أن حركة تمرد نشأت بهدف إسقاط نظام جماعة الإخوان ولم يكن لها دور آخر على الساحة السياسية، وأوضح أن أغلب هذه الحركات التى ولدت بعد ثورة 25 يناير اختفت، لأنها خلت من الإطار الهيكلى التنظيمى وخطابها كان متناقضاً، واكتفوا بالوجود فى مطالب محددة ولم تكن لديهم الرؤية الشاملة، مشيراً إلى أن الشباب بطبيعة الحال كان يحتاج لخبرة كافية.
وقال الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس، إن ثورة 25 يناير تعرضت لمحاولات إجهاض من الإخوان، مشيراً إلى أن أسباب فشلها عديدة ومنها؛ القفز على أهدافها من قبل الإخوان وبقايا النظام الذى قامت عليه الثورة مطالبة بالعدالة والديمقراطية، وأن أسباب الثورة متراكمة طوال عهد «مبارك» إلى أن جاء تزوير الانتخابات وثورة تونس فانطلقت الشرارة التى ولدت الكثير من الحركات الشبابية، موضحاً: «لا أهداف الثورة تحققت ولا قواعد الحكم تغيرت، وانعكس هذا الوضع على الناس بالإحباط وهو ما أدى إلى تآكل القوى الثورية والعمل العام وعدم تفعيل الأحزاب، كما أن المناخ غير محفز والشباب فى السجون، وبالتالى الأطراف الأساسية فى تحريك الثورة انتهت»، وأشار «زهران» إلى أن أهم الأسباب التى أدت إلى تآكل القوى الشبابية هو عدم وجود رؤية موحدة وأرضية مشتركة تقاوم القوى المضادة للثورة، حيث وجدنا أن الأخيرة تزاحمنا فى العمل السياسى العام، وهو ما كان يستوجب عزل هؤلاء وإتاحة الفرصة لأبناء الثورة أن يحققوا أهدافها، منوهاً بأن القوى الثورية تعرضت لعدة أشكال من التدمير منها؛ التمزيق، والتشريد، والسجن، وتم تجميد بعضهم وتجنيد البعض الآخر وهو ما أدى إلى تشتت هذه القوى، مضيفاً: «لم نر أى محاكمات جادة لرموز مبارك ولا لرموز الإخوان وهو ما أصاب الناس باليأس، وإن كل المحفزات غير موجودة، وهذا سبب التراجع فى القوى المنظمة بعد التدهور العام فى مستوى معيشة المواطن وآخرها تعويم الجنيه، فانحصرت الثورة فى الكلام فقط».
وقال الدكتور محمد حبيب، النائب الأسبق لمرشد جماعة الإخوان، إن الحركات الشبابية التى أفرزها الإسلام السياسى وظهرت مع ثورة 25 يناير تركت العمل على الخط والنهج الثورى الذى فرضه الواقع آنذاك، وبعد ثورة 30 يونيو والإطاحة بحكم الإخوان فى 3 يوليو بدأت تنضم إلى الجماعات الإرهابية وحركات العنف والتفجير والتخريب والتدمير بصرف النظر عن هل تقوم بذلك بشكل مستقل بعيداً عن تنظيم القاعدة أو «داعش» أو بشكل مستقل عن هذه التنظيمات، مشدداً على أن هذه الحركات منغمسة الآن فى أعمال العنف، وأوضح «حبيب»، أننا «الآن أمام موقفين أحدهما خاص بالعنف والإرهاب وما يتضمنه من عمليات اغتيال وتفجير وقتل وإرهاب، وهذا لا بد من مقاومته بالسلاح كما يقوم بهذا الدور الجيش وقوات الشرطة، والثانى يحتاج لبعد آخر وهو الفكر ومواجهة الفكر التكفيرى والعنف والإرهاب وهذا يحتاج رؤية واستراتيجية وأهدافاً تُحدد آلياتها وأدواتها حتى تكون المواجهة شاملة وكاملة، ويتمثل الأخير فى حتمية وجود وإنشاء فريق عمل يضم ممثلين عن الأزهر وعلماء اجتماع وأطباء نفسيين إضافة إلى مفكرين وأدباء علاوة على أصحاب الخبرة الكبيرة فى التنظيمات والتشكيلات الموجودة على الأرض، ووضع خطة عمل ممنهج معروف من أين يبدأ وإلى أين ينتهى، بهدف تجفيف المنابع التى تصب عند هؤلاء وحتى تكون هناك فرصة للشباب المتعرض للانضمام لهذه التشكيلات أن يراجعوا أنفسهم أما من يصر على العنف فيواجه بالسلاح».