الضجة التى تم التعامل بها مع اللاعب محمد أبوتريكة بعد حكم المحكمة عنوانها الأول التلاعب بالعقول من أجل إرضاء المجتمع والحصول على أكبر قدر من الإعجابات على مواقع التواصل الاجتماعى، مع أن القرار ستترتب عليه إجراءات ليس من بينها حبس اللاعب أو ضبطه، وقد شمل القرار 1537 غيره على رأسهم: د. مرسى والبلتاجى ومهدى عاكف والشاطر، ومع ذلك لم يذكره أحد بعد أن كان الشباب يموت من أجلهم وفى هذا عدة دلالات ليس هنا موضعها. ركب البعض موجة أن اللاعب خلوق، وكأن باقى المدرجين فى الحكم لم يكونوا كذلك؟ ونسوا أن كثيراً من الإرهابيين اتصفوا بالخُلق وكثرة الصلاة والصيام، بل لم نر واحداً فى زهد أسامة بن لادن الذى ترك حياة الأمراء والسلاطين ليعيش هارباً مطارداً وسط الكهوف والجبال، ومع ذلك فإن زهده لم يمنعه من زعامة أكبر التنظيمات الإرهابية، كما كان الخوارج أكثر الناس صلاة وقراءة للقرآن، ومع ذلك تلوثت أيديهم بقتل أفضل الصحابة، فهل العدل أن تسرى الأحكام على المغمورين، وتستثنى المحكمة «أبوتريكة» لأنه معشوق القلوب، وغداً تستثنى محمد صلاح -لو أخطأ- لأنه نجم العرب، وتستثنى رمضان صبحى لأنه معشوق المراهقات؟!
على أنهم لو كانوا يفقهون لعلموا أن الحكم بإدراج اللاعب كان ضد رغبة السلطة، ولو أن القاضى أراد أن يجامل السلطة لاستثنى اللاعب من القائمة؛ لأن البلد لا يسمح بصدمة جديدة لمشاعر الناس بعد صدمة ارتفاع الأسعار والغضب من توقف برنامج «إبراهيم عيسى».
إن القضاء المصرى تجلى فى أبهى صور العدالة وأروعها حينما حكم ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود دون أن يضع فى الاعتبار أن الحكم على غير مراد رئيس الجمهورية، وحينما حكم على اللاعب دون أن يضع فى الاعتبار أن الحكم سيصدم محبيه، ولم يضع اعتباراً لتعليقات مواقع التواصل الاجتماعى، بل جاء الحكم مجرداً؛ فاتفاقية ترسيم الحدود باطلة و«أبوتريكة» ضمن القائمة رضى من رضى، وكره من كره، والحديث عن أخلاق اللاعب ومهاراته الكروية أو الحديث عن وطنية الرئيس وإخلاصه فى معرض حكم قضائى هو حديث فى غير موضعه.
إن حكم القاضى لم يكن تقييماً لأهداف اللاعب أو أدبه أو مهاراته، بل كان على تهم محددة، قد لا تثبت عند النقض، وقد تثبت، وسواء ثبتت أم لم تثبت فإنه -ومن ناحية أخرى- ينبغى التنبيه على أن الهجوم على اللاعب واتهامه فى أخلاقه ومحاولة تشويهه هو نوع من التجنى عليه، بل وصل الأمر بالبعض أن اتهمه بأنه كان يمد «اعتصام رابعة» بمولدات الكهرباء، وهو كلام يستدعى رفع قضية من اللاعب ضد من ردده، وهناك من أضاف أن اللاعب اختار الدكتور مرسى رئيساً، وهذا أمر لا يعيبه أبداً، فالملايين انتخبوا «مرسى»، وانتخاب مرشح لا يعنى دعماً أبدياً له، لذا فإن استغلال الحكم للإساءة له، والتقليل من شأنه، والانتقاص منه، أمر غير لائق بأى حال.
تحية للقضاء المصرى، وتحية للرئيس واللاعب على قبولهما الحكم، وتحية للعقول التى تعاملت مع الحكمين بمسئولية وتجرد بعيداً عن العواطف، ولا عتاب على السطحيين؛ لأن السطحية هى الإفراز الطبيعى لقنوات تنظيم الإخوان، وتعليم الهلالى الشربينى، ومساجد مختار جمعة، وأزهر محمد عبدالسلام، وإن القاضى أو الكاتب أو العالم أو المسئول سيظل صغيراً أمام ضميره وأمام ربه إذا هو أراد أن يفعل ما يمليه عليه ضميره فتراجع خشية هجوم عليه على مواقع التواصل الاجتماعى هنا وهناك.