القليوبية.. أكثر من 20 ألف نسمة بـ«عزبة الصفيح» سقطوا من أجندة الحكومة وسط صراعات الحدود
سكان «منشية عبدالمنعم رياض» مهمشون من الحكومة
رغم اختلاف الأسماء، إلا أن واقعها يبقى واحداً، فى السابق كان يُطلق عليها اسم «عزبة الصفيح»، أما الآن فقد أصبح اسمها «منشية عبدالمنعم رياض»، منطقة عشوائية على الأطراف بين القليوبية والقاهرة، يعيش سكانها بدون الحد الأدنى من الخدمات للحياة الآدمية، فلا مياه ولا صرف، المسئولون فى كلتا المحافظتين تبرأوا منهم وأنكروا حقوقهم، فلا يعرفون إلى أيهما ينتمون، بسبب المشاكل الإدارية على الحدود بين المحافظتين. أكثر من 20 ألف نسمة يعيشون حياة القرون الوسطى، بكل ما تحمله الكلمة من معان، لا يتذكرون أن مسئولاً واحداً قام بزيارتهم طوال تاريخهم، منذ أن جاءوا إلى هذا المكان، بدائرة مركز «شبرا الخيمة»، بعد أن خرجوا من «مستعمرة الجذام» بالخانكة، بعد رحلة عذاب مع المرض، امتدت لسنوات طويلة، وبدلاً من العيش فى حياة آدمية، بعد فرارهم من منازلهم بسبب إصابتهم بالمرض اللعين، يعيشون الآن حياة أكثر مرارة، حيث المنازل مهددة بالسقوط فوق رؤوسهم فى أى لحظة، وانعدام الخدمات والمرافق، مما يفرض عليهم وضعاً مأساوياً، تزداد فيه معاناتهم يوماً بعد يوم.
«ليلى»: «أعيش بمفردى منذ وفاة زوجى.. وأهل الخير والجيران يعولوننى».. و«سماح»: «الأمراض نهشت جسدى.. ومصاريف العلاج تلتهم كل دخلنا»
فى «عزبة الصفيح»، كما يسميها سكانها، أو «منشية عبدالمنعم رياض» بحسب وثائق الحكومة، تجد الصغار يلهون فى الشارع، بينما العديد من النساء المسنات أقعدهن المرض، وأيضاً الرجال سقط معظمهم فريسة لمرض «الجذام»، جاءوا من المحافظات المختلفة لتلقى العلاج فى «المستعمرة»، وسكنوا فى هذه المنطقة لقربها من مكان علاجهم، وخوفاً على ذويهم من انتشار المرض بينهم، بل بالأحرى اختاروا هذا المكان منفى لهم، بعيداً عن أهلهم ومعارفهم الذين لفظوهم، بسبب مرض أُصيبوا به، لا حول لهم ولا قوة، عاشوا فى هذا المكان منذ سنوات، وتزوج كثيرون منهم، بسبب شعورهم بأنهم «منبوذون»، ورغم كل هذه المعاناة، فإنهم يشعرون أيضاً بأن المسئولين قد تجاهلوهم، فلا أحد ينظر إليهم بعين الرأفة، إلا القليل من «أهل الخير»، الذين يرسلون إليهم بعض المعونات بين فترة وأخرى، لا تكفى سد جوعهم، وهم لا يطمعون فى «رغد العيش»، وإنما يطالبون بمطالب بسيطة ومشروعة، فكل ما يريدونه أن يعيشوا حياة آدمية، قبل أن تواريهم القبور. «الوطن» ذهبت إليهم، والتقت عدداً منهم، أملاً فى وضع نهاية لمعاناتهم، إحدى هؤلاء السكان «ليلى حسين»، سيدة تبلغ من العمر 70 سنة، لا تقوى على الوقوف على قدميها بسبب المرض، يكسو وجهها الحزن والأسى، أكدت أنها تعيش فى إحدى «العشش» المسقوفة بالأخشاب، وقالت إنها جاءت إلى هذا المكان، مقبلة من محافظة كفر الشيخ، منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، لتلقى العلاج بمستشفى الجذام، حيث تعرفت على زوجها، الذى كان يعالج أيضاً بنفس المستشفى، ولم يشأ القدر أن ينجبا أطفالاً لظروفهما الصحية، مشيرةً إلى أنها تعيش بمفردها منذ وفاة زوجها، ويعولها منذ ذاك الحين الجيران وأهل الخير، وكل ما تحلم به قبل مماتها، أن تعيش بين جدران آمنة، تقيها برد الشتاء وحر الصيف. أما «حبيبة عبدالهادى»، ربة منزل، فقالت: «جئت مع زوجى من محافظة بنى سويف، للعلاج بمستشفى الجذام، وما زال زوجى مريضاً حتى الآن، كما أننا لدينا طفل وطفلة، وقد خصصت الدولة لزوجى معاشاً 400 جنيه، ضمن معاش السادات، أو معاش التضامن الاجتماعى، ندفع منه 300 جنيه إيجاراً، ونعيش باقى الشهر بمساعدة أهل الخير والجيران»، وأضافت: «كل ما أطلبه أن يكون لى غرفة ملك، قريبة من مكان علاج زوجى، ويا ريت أهل الخير يساعدونى فى أن يكون لى دخل، أو توفير فرصة عمل، حتى أساعد زوجى المريض، ولتستمر الحياه ولنربى أطفالنا الصغار، دون أن نمد أيدينا لأحد».
وقالت «سماح مصطفى»، التى فقدت ساقيها منذ نعومة أظافرها: «أقف بجوار زوجى المريض، وأتحدى ظروفى، فأنا متزوجة منذ 10 سنوات، وأعمل فى فرز القمامة باليومية، كما أن زوجى يعمل باليومية، ونحمد الله على كل شىء، وكل ما أريده كشك صغير نأكل منه لقمة عيش، حيث إننى أصبحت لا أقدر على العمل فى فرز القمامة، بسبب الأمراض الكثيرة التى نهشت جسدى، وتلتهم مصاريف العلاج وأجرة الأطباء كل دخلنا، ونعيش على مساعدات أهل الخير». ومن جانبه، قال «ياسين على»، أحد سكان العزبة: «أعيش هنا منذ عام 1979، عندما جئت لتلقى العلاج بالمستعمرة، وأعمل الآن باليومية فى شبكة المجارى بالمستعمرة، وكل ما أريده أن المسئولين يحسوا بينا، ويعاملونا على أننا بشر، المنطقة غارقة فى الإهمال، وينقصها خدمات كثيرة، أهمها توفير مياه صالحة للشرب، وشبكة صرف صحى، حتى نشعر بأننا مواطنون وبنى آدمين»، بينما قال «بشاى وليم»، أحد الأهالى، إن «أهم مشكلة هى تعنت الدولة فى عدم الموافقة على تسجيل وتمليك الأراضى اللى عايشين عليها»، وأضاف أنه «فى حالة الموافقة، يجب أن يتم ذلك بأسعار مناسبة لظروف المواطنين، فمعظمهم مرضى بالجذام، كما أنهم غلابة ولا يقدرون على العمل والكسب»، لافتاً إلى أن أقصى أحلامهم الحصول على كوب ماء نظيف، مشيراً إلى أن الأهالى يشترون جراكن المياه بمبالغ طائلة، وظروفهم المادية لا تسمح بذلك.
الأهالى حائرون بين القليوبية والقاهرة: «نطلب فقط العيش بآدمية».. ولجنة من المحافظة لوضع مخطط تنمية المنطقة
وقال «رشيد محمود»، أحد أهالى المنطقة: «طالبنا أكثر من مرة المسئولين بأن يراعوا الله فينا، ولكن لا مجيب، بل كل مسئول يرمى مسئوليتنا على الآخر، حيث تشهد المنطقة صراعاً بين محافظتى القاهرة والقليوبية، الجميع يتبرأون منا ومن المنطقة، ونحن تائهون، لا نعرف لنا مصيراً»، مطالباً بـ«نظرة رفق» من المسئولين، وتدخل الحكومة لإنقاذ السكان الغلابة، الذين يفتك بهم المرض والإهمال، وشدد على قوله: «إننا أناس نستحق الرأفة والاهتمام»، وناشد الرئيس عبدالفتاح السيسى سرعة التدخل لحل مشاكلهم، ورفع الظلم الواقع عليهم. وفى المقابل، أكد مصدر مسئول بمحافظة القليوبية أنه تم تشكيل لجنة من المحافظة لبحث حالة منطقة «منشية عبدالمنعم رياض»، ودراسة تبعيتها للمحافظة من عدمه، والعمل على وضع مخطط شامل لتنميتها، من منطلق «العدالة الاجتماعية»، وفى ضوء الإمكانيات المتاحة، موضحاً أن أول خطوة ستكون بحصر السكان والمبانى التى يعيشون فيها، تمهيداً لتقنين أوضاعهم.