منذ ٢٠١١، وثنائية الدين والسياسة تسيطر على نقاشات المرحلة الانتقالية التى تمر بها مصر بعد ثورة يناير التى أسقطت نظام الرئيس السابق وانفتح معها المجتمع على مسارات معقدة وغير معلومة النتائج لبناء الديمقراطية وسيادة القانون ودولة المواطنة وتداول السلطة. منذ ٢٠١١، وثنائية الدين والسياسة توظف مجتمعياً بمضامين مختلفة ولأهداف متنوعة من قبل أحزاب وقوى ومؤسسات متصارعة وفى إطار تفاعل عميق المدى مع قطاعات شعبية واسعة يباعد أحياناً بينها وبين تنزيه الدين عن صراعات السياسة، ويباعد فى أحيان أخرى بينها وبين الفهم العصرى للدولة ولمؤسساتها وإدارة شئونها العامة. منذ ٢٠١١، وسيطرة ثنائية الدين والسياسة وتوظيفها المتصاعد ترتبان تراجع قدرتنا فى مصر على ضبط العلاقة بين مكونى هذه الثنائية باتجاه لا يتناقض دستورياً - قانونياً أو سياسياً أو مجتمعياً مع مبادئ الديمقراطية ودولة المواطنة ومقتضيات بنائها وتداول السلطة.
فمن جهة أولى، تسيطر ثنائية الدين والسياسة على المسار المعقد لإعادة تعريف الإطار الدستورى والقانونى للدولة المصرية بعد الثورة وتفرز نتائج مرحلية بها تناقضات جد خطيرة مع مبادئ الديمقراطية والمواطنة. فالنتيجة المرحلية هى دستور ٢٠١٢ الذى تجاهل واضعوه النقاش الطويل فى مصر بشأن قضية «دين الدولة» ولم يغير الإشارة إلى «الإسلام كدين الدولة»، وهمش من ثم الكثير من الآراء الفكرية والسياسية (وكنت من بينها) التى طالبت بالإشارة فى الدستور الجديد إلى «الإسلام كدين أغلبية المواطنات والمواطنين» والامتناع عن تحديد دين للدولة لكون الأخيرة كيان محايد يستند إلى المواطنة ويتجاوز حدود التنوع الدينى.
والنتيجة المرحلية هى دستور ٢٠١٢ الذى ينص فى مادته الرابعة على وجوب استشارة المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر الشريف) فى كافة شئون التشريع المرتبطة بالشريعة الإسلامية، ويعطى من ثم المؤسسة الدينية وضعية استثنائية تتناقض مع بناء الديمقراطية التى تدير شئونها التشريعية مؤسسات مدنية منتخبة لا يملك إلا المواطن باختياراته الانتخابية تحديد أولوياتها.
والنتيجة المرحلية هى دستور ٢٠١٢ الذى يشير فى مواد متعددة إلى ضرورة احترام «القيم والأخلاق والتقاليد المجتمعية» حين ممارسة الحريات والحقوق الشخصية والعامة، ويفرغ من ثم الحقوق والحريات هذه من مضمونها ويفتح الباب واسعاً لقمعها تذرعاً بالأطر القيمية والأخلاقية والتقليدية التى تدعى الاستناد إلى الشرعية الدينية. والنتيجة المرحلية هى دستور ٢٠١٢ الذى يضمن الحرية الدينية وحرية ممارسة الشعائر الدينية فقط لأتباع الديانات السماوية الثلاث، ويقيد حرية أتباع الديانات الوضعية فى تناقض صارخ مع منظومة حقوق الإنسان العالمية.
والنتيجة المرحلية خلال العامين الماضيين، دستورياً وقانونياً، هى أيضاً تمرير قوانين جديدة لمباشرة الحقوق السياسية وللانتخابات وللأحزاب السياسية تمتنع موادها عن حظر توظيف الدين لأغراض سياسية أو انتخابية أو حزبية، وتعطى الغطاء القانونى لاستخدام الشعارات الدينية فى السياسة، ولا تفرض عقوبات حقيقية على استغلال دور العبادة للدعاية السياسية والانتخابية. وجميع هذا يتناقض بوضوح مع ممارسة السياسة فى إطار من المواطنة المتجاوزة لحدود الهوية الدينية، ويعرض المجتمع لمخاطر جمة ترتبط ببناء الولاء السياسى والحزبى والسلوك الانتخابى انطلاقاً من الهوية الدينية، وليس من أفكار ورؤى وأهداف لها أن تجتذب مجموعات من المواطنات والمواطنين بغض النظر عن هويتهم الدينية.
والنتيجة المرحلية خلال العامين الماضيين، دستورياً وقانونياً، هى أخيراً الإحباط الممنهج خلال العامين الماضيين لإدخال مجموعة من التعديلات القانونية اللازمة لدعم دولة مواطنة الحقوق المتساوية كقانون مناهضة التمييز والعنف الطائفى، وتوحيد قوانين بناء وصيانة دور العبادة، والمساعى المتنوعة لإسقاط خانة الديانة من بطاقات الهوية الشخصية كإجراء قانونى ينتصر لرمزية المواطنة.