شوارع مصر المحروسة لا تخلو من المقاهى (الكافيهات) وتشعرك بأن لدينا «كافيه لكل مواطن» وأننا دولة تحتل المركز الأول عالمياً ليس فى البحث العلمى والتقدم التكنولوجى -لا سمح الله- بل فى إنشاء الكافيهات وتدخين الشيشة وهذا هو الإنجاز الذى نقدمه حالياً للحضارة الإنسانية.. مقتل الشاب محمود بيومى بأيدى بلطجية كافيه مصر الجديدة أمام خطيبته تُجبر الدولة على ضرورة اقتحام هذا الملف لأنه يعج بالفساد وتتحكم فيه مافيا لا تقل خطورة وأرباحاً عن تجارة المخدرات والسلاح، فكل الكافيهات غير مرخصة أو مرخصة لنشاط وتمارس نشاطاً آخر، كلها تقدم الشيشة وهذا مخالف تماماً للقانون لأن الترخيص بالشيشة للفنادق والمراكب السياحية فقط، كل الكافيهات فى المبانى الإدارية والجراجات تحت سمع وبصر وتواطؤ مسئولى المحليات، الكافيهات تستخدم مرافق الدولة بأسعار زهيدة وتقدم خدماتها للزبائن بأسعار مرتفعة جداً وتعطى لعمالها أجوراً بسيطة ولا تؤمّن عليهم ولا تسدد الضرائب، كل الكافيهات تحتل الأرصفة والشوارع وتتسبب فى أزمات مرورية ومشاكل فى انتظار السيارات وتستخدم بلطجية يعتدون على المواطنين ولكن واقعة الشهيد محمود هى التى وصلت للإعلام بسبب بشاعتها وظروف حدوثها (مباراة نهائى أفريقيا).. أصحاب الكافيهات من ذوى السلطة والمال أو شركاء من خلف الستار، الكافيهات سبوبة للمسئولين فى المحليات حيث يتقاضون رواتب شهرية فى مقابل التستر عليها وإبلاغ أصحابها بمواعيد الحملات الأمنية لإغلاق أبوابها وإخفاء ما لديهم من ممنوعات والتغاضى عن سرقة المياه والكهرباء، معظم رواد الكافيهات من الشباب (صبيان وبنات) فى مقتبل العمر ويبدأون طريقهم للإدمان بتدخين الشيشة والسهر حتى صباح اليوم التالى.. فما الحل إذن؟
إن كانت هناك إرادة حقيقية فالحل بسيط: أولاً مراجعة تراخيص كل الكافيهات ومنع الشيشة طبقاً للقانون وإعادة فتح الجراجات المغلقة حتى نقضى على مشاكل الازدحام المرورى وانتظار السيارات وتحرير الأرصفة والشوارع، ليس معقولاً أن تنفق الدولة مليارات الجنيهات من أموالنا لإقامة جراجات عامة لا تساهم سوى فى حل مشكلة انتظار عدد قليل من السيارات وتترك مئات الآلاف من جراجات العمارات تحولت إلى كافيهات ومطاعم ومخازن، ثانياً: يتم تخصيص قطع أراضٍ بعيدة فى الصحراء معزولة لإقامة المقاهى والكافيهات ويرخص لها بذلك مقابل حصول الدولة على حقوقها كاملة من ضرائب وتأمينات ومعاشات وتأمين صحى ومرافق ومن يرغب فى تدخين الشيشة والسهر يذهب بعيداً عن المدن التى لم تعد تحتمل كل هذه الفوضى.
بعد ثورتين قام بهما الشعب على الفساد كنت وما زلت أتمنى رؤية بلدى جميلة يُطبق فيها القانون ويسودها الانضباط، فلا تقدم مع الفوضى ولا نهضة مع الفساد، هناك دولٌ كثيرة كانت أقل منا فى العلم والثقافة والحضارة والمعيشة ولكنها تفوقت علينا بسيادة القانون والانضباط، لماذا كل شىء فى بلدى غلط، والفهلوة والغش وقلة الضمير والنفاق والفساد أصبحت قاعدة عامة أما الاستثناء فهو الأمانة والصراحة والإخلاص والشرف.
والله العظيم بلدنا لا يستحق ما نفعله به، مصر تستحق مسئولين شرفاء مخلصين يتقون الله فى الوطن والمواطن، ما ذنب «محمود» الذى سالت دماؤه الطاهرة وفقد حياته بسبب فساد المسئولين؟ وما ذنب عشرات الأبرياء الذين تسيل دماؤهم يومياً على الأسفلت بسبب تقصير المسئولين فى عملهم؟ اللهم ارحم شهداء الإهمال والفساد وأسبغ على أهاليهم الصبر والسلوان واحفظ مصر يا رب العالمين.