تحذير من دواء قاتل بنشرة مزوّرة: الدولة اشترت منه بمليار جنيه لعلاج مرضى الكبد
صورة أرشيفية
ثمانى سنوات كاملة قضتها الدكتورة مجد أحمد قطب، أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة، بحثاً عن مسئول يستجيب لطلبها بسحب عقارَى «أورسوديا» و«كسيكوليك» من الأسواق، بعدما تبين لها، ولعدد من الباحثين، خطورة استخدامهما فى علاج الأطفال، والتى تصل إلى حد الوفاة.
«مجد»: اكتشفنا خطورته عبر رسالة ماجستير.. واستغرق توثيق القضية 8 سنوات
البداية كانت بحسب ما أكدته الدكتورة مجد لـ«الوطن»، من خلال رسالة ماجستير تضمنت متابعة الأطفال فى عيادة الكبد، لتكتشف «الكارثة»، على حد تعبيرها، إذ إن الأطفال المصابين بالركود المرارى أو «الصفراء»، الذين تناولوا هذا الدواء أصيبوا بفشل كبدى ومضاعفات خطيرة بلغت حد الوفاة لنسبة 2.7% من عينة البحث المستخدمة، والتى تضمنت 490 طفلاً مصاباً، بعكس من لم يتناول هذا الدواء، والنتيجة التى توصلت إليها كانت شرارة البداية، ليتطور الأمر بعد ذلك إلى قضية يتم تداولها بالمحاكم. تحكى الدكتورة «مجد»: «قمنا بنشر تلك الأبحاث وما توصلنا إليه فى دورية علمية عالمية لتوثيق ما تم اكتشافه ومصارحة المسئولين عن الأمر بطريقة علمية، وقدمنا مذكرة لوزارة الصحة تفيد بحقيقة الأمر، وطالبنا بتعديل النشرة وعدم استخدامه للأطفال لأنه يتسبب فى الإصابة بالتهاب وفشل كبدى».
فى أثناء ذلك، شكّلت وزارة الصحة لجنة للتحقيق، رافضة تعديل النشرة بشأن ما توصلوا إليه فى أبحاثهم، وهو ما دفع «مجد» للذهاب إلى النائب العام والمطالبة بالتحقيق فى الواقعة، وتم إرسال مذكرات للمكتب الإقليمى لمنظمة الصحة العالمية وإلى هيئة الرقابة على الدواء، لتكتشف الدكتورة «مجد»، من خلال المخاطبات الرسمية، أن النشرة الدوائية المستخدمة للدواء داخل مصر مزوّرة وبها معلومات مضللة، إذ إنه مدون فيها أنه يعالج «فيروس سى» رغم أن الدواء ليس علاجاً أصلاً، على حد وصفها، وأنه فقط يُستخدم فى الالتهاب المرارى الأوّلى، وكشفت أن هيئة التأمين الصحى اشترت هذا الدواء من الشركات بموجب النشرة الدوائية المزورة، بما يزيد على مليار جنيه باعتباره علاجاً لفيروس سى، وهذه كارثة أخرى، حسب وصفها.
وأوضحت أنه كان من المفروض، حين ثبوت أن النشرة مزورة، وطبقاً للقانون، أن يتم إعادة الترخيص للدواء مرة أخرى ليتم تعديل النشرة، وهو ما لم يحدث لأكثر من 8 سنوات والقضية داخل المحاكم، وقالت «مجد»: «الحمد لله إن فيه قضاء عادل أنصف القضية فى النهاية بعدما ضاقت بنا السبل داخل أروقة وزارة الصحة».
وحصلت «الوطن» على نسخة من إحدى المخاطبات الرسمية التى تؤكد تورط المسئولين فى الأمر، إذ تفيد المخاطبات التى أصدرتها إدارة اليقظة الدوائية، التابعة للإدارة المركزية لشئون الصيدلة فى عام 2016، بأن «استخدام الدواء الموصى به لفترات طويلة يصاحبه تحسن فى تحاليل الدم والكبد، لكنه لا يصاحبه تحسن فى البقاء على قيد الحياة».. التعليق، على حد وصف الدكتورة «مجد»، يثير الضحك، وكأن المسئولين يخشون أن يؤكدوا أن هذا الدواء يسبب الوفاة فيتحايلون على طريقة الكتابة بهذه الطريقة الغريبة، حسب قولها.
ومن عجائب ما تعرضت له أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة فى تلك القضية، أن أوراقها احترقت ضمن القضايا التالفة أثناء حريق محكمة جنوب القاهرة الشهير، لكن اللافت فى حيثيات الحكم الذى صدر أمس الأول، هو التعليق المصاحب للقضية، والذى أكد أن الإدارة المركزية لشئون الصيدلة بوزارة الصحة «لم تبادر إلى إلزام الشركات المنتجة للعقار بوقف إنتاجه، ولم تقم تلك الإدارة بالواجب الذى أسنده إليها القانون بسحب المتداول منه بالأسواق لحين تعديل النشرة الداخلية له بما يفيد خطورته على الأطفال»، وهو ما يُعد إخلالاً جسيماً منها بواجبها الذى كلفها به القانون فى الحفاظ على أرواح وصحة المواطنين بعدم السماح بتداول أى عقار يمثل خطورة عليهم أو تداول أى نشرات داخلية لأدوية تحتوى على بيانات مضللة، ومن ثم يكون امتناعها عن سحب العقار من الشركات التى لم تلتزم بذلك قراراً إدارياً مخالفاً للقانون يتعين القضاء بإلغائه.
من جانبه، قال الدكتور محمد حسن خليل، مدير مركز الحق فى الصحة، إن هذه ليست المرة الأولى، التى يتم اللجوء فيها إلى القضاء للحفاظ على أرواح المواطنين من أدوية مثار جدل أو ثبت تورطها فى إحداث مشكلات صحية ومضاعفات خطيرة، وأشار إلى أن ذلك إن دل على شىء فإنه يدل على الكيفية التى يتعامل بها الجهاز الإدارى مع مثل تلك القضايا الحساسة والخاصة بأرواح وصحة المواطنين.
وأوضح أن تصعيد القضية للقضاء جاء بعدما دقت الدكتورة «مجد» كل الأبواب المعنية بالأمر من خلال تقدمها بمطالبات لكافة الجهات، لكن شيئاً لم يتغير.
صورة من قرار المحكمة حول الدواء المرفوع من السوق
صورة لمخاطبات إدارة اليقظة الدوائية