ورشة الفلسفة
ميلاد سليمان
حينما تحدث «هيجل» عن تجليات الروح المطلق فى العالم، أوضح أن تجلياته تظهر على التوالى فى شكل تصاعدى من أسفل إلى أعلى؛ الدين، الفن، الفلسفة. ويكون السؤال الملح: لماذا جاء الدين فى أسفل التسلسل الهرمى لرحلة الروح المطلق؟!
الدين، كما يرى «هيجل»، هو طفولة الوعى البشرى، هو المباشرة فى التعامل الجمعى، على مستوى الوعى واللاوعى، هو السعى إلى التقرب للمطلق بالمعاملات الجامدة، البراجماتية، أحادية التوجه. إله كلى خالد وإنسان جزئى فانٍ، تصلى وتصوم فيستجيب الإله ويحقق لك كل ما تريد، حتى إنك تتعجب حينما تجد فى الأديان الإبراهيمية كتيب باسم «الدعاء المستجاب». هكذا يكون عقد العمل المبرم وفق تلك المنظومة المغلقة والتى لا تسمح بنمو الجزئى وتطوره فى طريق سعيه تجاه المطلق.
وفى الفن، يكون الإنسان ذا إرادة قصدية وتوجه إنسانى، يعبر عن نفسه وعن توجهاته وأحلامه والقضايا التى تشغله، الفن بمختلف أنواعه ومدارسه ومجالاته، هو سعى الإنسان نحو المطلق -كما يرى هيجل- سواء فى الرواية أو المسرح، أو النحت أو الرسم أو الموسيقى، وأغلبنا يعرف دور الفن فى التطهير الانفعالى وتهذيب الشعور والنفس وإعلاء قيمة التسامح والمساواة والاختلاف. من هنا شن رجال الدين حربهم على الفن والمشتغلين به.
والفلسفة، باعتبارها ورشة حيّة دائمة العمل والصيرورة وليست بناءً مكتملاً، نجد قمة الجدل والتجرد والفكر الرمزى، الذى يتأمل فى الحقائق الأولية للأشياء باحثاً عن جوهرها، حيث يتم ترسيخ مبدأ «الفردانية»، باعتبار الفلسفة موقف فرد ورؤية خاصة تجاه موقف أو قضية أو ظاهرة معينة، وهو جلّ ما يحاربه رجال الدين أيضاً، الفكر الحر والموقف الفردى، بالتالى يظهر عداؤهم المباشر المعلن ضد أى عمل فردى فيه إعمال للعقل.
الفن، والعلم، والفلسفة، مجالات تتسع للجميع، ترسخ قيم المواطنة والحرية والمساواة والعدالة، لا فرق بين فنان أبيض وأسمر، لا فرق بين فيلسوف يونانى أو ألمانى، جميعها مجالات تعزز قيمة ديمقراطية المعرفة كوسيط إنسانى، بينما تجد فى الدين الواحد وداخل الطائفة الواحدة اختلافاً بين نظرة كل شخص لله وفهمه لجوهره وصفاته وذاته وحكمته الخفية من آياته.