تحدثت فى مقالى السابق عما يجمع المغرب ومصر، وهما يحتفلان هذه السنة بستين عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما، من أواصر محبة وعلاقات تاريخية روحية وثقافية واجتماعية كانت وستبقى راسخة وثابتة فى وجدان أجيال متلاحقة.
وإذا كانت مصر محطة عبور الحُجاج المغاربة، بل وموطن استقرار بعضهم، وقبلة الرحالة ورجال العلم والدين، فقد حافظت فى تاريخها المعاصر، على العلاقات الدافئة التى طالما جمعتها مع المغرب، بحيث وقّع أول بروتوكول ثقافى بين البلدين عام 1959، كون الجسر الثقافى، كما ذكرت سابقاً، شكل عنصراً مهماً فى منظومة علاقاتهما مع بعض، التى تستند إلى حوار ثقافى دائم ومتواصل، كما يتجلى ذلك من خلال الاطلاع الواسع للفاعلين الثقافيين المغاربة على الثقافة المصرية بخصوصياتها وديناميتها، وكذا الاهتمام المتزايد للمثقفين والمفكرين المصريين بالثقافة المغربية وبتنوعها وانفتاحها على ثقافات العالم.
وبرز التعاون والتنسيق بين البلدين فى القضايا العربية، فقد شاركت القوات المغربية فى حرب أكتوبر 1973 مع الجيشين المصرى والسورى، وفى أعقاب هذه الحرب المجيدة، كان للمغرب دور قيادى، عندما استضاف المغرب القمة العربية السابعة فى أكتوبر 1974، ولعب أيضاً دوراً مهماً فى مؤتمر القمة العربية بالأردن فى 1987 لإعادة العلاقات العربية مع مصر بعد المقاطعة التى أعقبت توقيعها على اتفاقية كامب ديفيد. وهو المغرب أيضاً الذى دعم إرادة الشعب المصرى فى 30 يونيو وأيّد خارطة الطريق التى اختارها الشعب المصرى، وكان العاهل المغربى محمد السادس من أول المهنئين للرئيس عبدالفتاح السيسى بعد فوزه بالانتخابات الرئاسية عام 2014.
لا شك أن المغرب ومصر يمثلان جناحى العالم العربى، وركيزتين مهمتين لاستقراره ورفعته. دولتان ضاربتان فى عمق التاريخ، تحتل كل منهما موقعاً استراتيجياً مهماً، بما يحتم عليهما بناء شراكة استراتيجية تسمح بمجابهة التحديات المحدقة التى تواجه العالم العربى وتؤثر على أمنه القومى. تحديات تتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف، والنجاح فى تحقيق التحول الديمقراطى والنقلة المطلوبة لاقتصاد البلدين وإعطاء الدفعة للقطاع الخاص، لكى يكون قاطرة للنمو الاقتصادى الذى يُلبى تطلعات شعبيهما ويعين على مجابهة البطالة ويُحقق العدالة الاجتماعية.
وعلى المستوى الاقتصادى، تمثل اتفاقية أغادير التى تجمع المغرب ومصر (بالإضافة إلى تونس والأردن)، والتى دخلت حيز النفاذ عام 2007 فرصة لزيادة التجارة البينية بين البلدين، خصوصاً أن حجم هذه التجارة البينية أقل من مستوى الطموحات، لا سيما على خلفية التطور الكبير الذى طرأ على القدرات الإنتاجية للقطاع الخاص فى البلدين.
ويمثل تفعيل هذه الاتفاقية على أرض الواقع أولوية فى المرحلة المقبلة، وصولاً إلى تكوين سوق كبيرة تجمع الدول الأعضاء فى الاتفاقية، فضلاً عن الاستفادة من تراكم المنشأ بالنسبة إلى المنتجات التى يتم تصنيعها فى البلدين ودخولهما إلى أسواق دول ثالثة، استفادة من اتفاقيات التجارة الحرة التى تكون مصر أو المغرب طرفاً فيها. ومن المعروف أن مصر تمتلك سوقاً واعدة قوامها 95 مليون نسمة، وأنها مدخل لأسواق دول تجمع الكوميسا الذى يضم دولاً كثيرة من شرق ووسط أفريقيا. بالمثل المغرب بات ثانى أكبر مستثمر فى أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، وهو مرتبط باتفاقيات تجارة حرة مع الكثير من الدول، فضلاً عن وضعية متميزة مع الاتحاد الأوروبى، ويتيح للمنتجات المصرية منصة للتصدير إلى غرب أفريقيا وإلى أوروبا.
من جانب آخر، أضحى التعاون على الصعيد الأفريقى إحدى الأولويات المتقدمة للبلدين بعد نجاح المغرب فى العودة إلى موقعه الطبيعى ضمن الأسرة المؤسساتية الأفريقية. وقد كان لمصر دور مشهود فى قمة أديس أبابا، وخلال ما سبقها من اتصالات لدعم المغرب وتذليل المعوقات التى واجهت طلب انضمامه إلى الاتحاد الأفريقى، مما يمثل -بلا شك- محل تقدير كبير من الدولة المغربية.
ومن هنا، فإنه من المطلوب أن تعمل الدبلوماسيتان المصرية والمغربية على استكشاف سُبل التعاون والتكامل والتأييد المتبادل داخل الاتحاد الأفريقى وأجهزته المختلفة. والأمل أن يسهم البلدان فى إعطاء دفعة كبيرة للعمل الأفريقى المشترك، ولمساعدة دول القارة على الاستفادة من ثرواتها وتحقيق التنمية ومواجهة تحديات الحروب والمجاعات ونهب خيراتها من جانب دول أجنبية. فكل من مصر والمغرب لديه الثقل الروحى والسياسى والاقتصادى والقبول العام فى ربوع القارة، حيث يمثل المغرب نقطة ارتكاز فى غرب القارة، بينما لمصر مكانتها الكبيرة فى شرقها. آفاق كبيرة وأجندة متنوعة بمجالات التعاون والتكامل بين مصر والمغرب ضمن مقاربة جديدة تستجيب لروح العصر وتطلعات شعبين ربط بينهما الدم والتاريخ والمصالح الوطنية والانتماء إلى دوائر إقليمية متداخلة، وشعبين ينتظران من الدولتين الكثير للاحتفال بما يجمعهما، ولبناء المستقبل الذى يليق بهما ويسهم فى رفعة العالمين العربى والأفريقى.