آسر أمجد طفل احتل مساحة كبيرة على الفيس بوك هو وملك أخته، وحكايتهما كما نشرت ملخصها كالآتى:
والداهما انفصلا، والأم تركتهما لوالدهما الذى تزوج امرأة أخرى سامتهما سوء العذاب، ضرب وتعذيب وحبس وحرمان من الطعام، أمام التعذيب الشديد انهار الطفل فى المدرسة وتم نقله للمستشفى، ولم ترض أمهما بتسلمه رغم كل ما حدث، الأب -كما نشر- قاضٍ فى محكمة، وهو ما أثار غضب الناس وتشكيكهم فى صلاحيته كقاضٍ، تم إحالة الطفل لدار رعاية نظراً لرفض الأم تسلمه، ويبدو أن الأب أيضاً رفض ذلك.
فجرت القصة مشاعر غضب شديدة ضد زوجة الأم المجرمة واحتمائها بسلطة الأب، وأيضاً ضد الأب الذى ترك أبناءه لزوجته المتوحشة، وضد القضاء مع التشكيك فى عدالة يكون الأب أحد رجالها، وأيضاً غضب تجاه الأم التى اعتبرها البعض مجرمة بترك أبنائها.
وهنا أود التأكيد أننا أمام واقعة إن ثبتت كما رويت، فإنها تشكل جريمة تعذيب بشعة تصل عقوبتها إلى السجن المشدد لفترة ليست قصيرة، ولا تسقط بالتقادم، وغير ذلك سيفسر لدى المجتمع بأنه تواطؤ لكون الأب قاضياً، ما يسىء إلى القضاء الذى تورط فعلياً وأصبح طرفاً فى ظل غياب أخبار عن وقفه والتحقيق معه.
أما الأم فإننى أرى هنا تناقضاً عجيباً فى موقف المجتمع من الأمهات، تتمسك بأبنائها تدعمها المحاكم أو الدولة أو حتى أسرتها فى كثير من الأحيان، وتتهم بقطع صلة الأرحام مع الأب، ومن تترك الأطفال لأبيهم تكون أما بشعة؛ لأنها رمتهم لأبيهم وزوجته أذاقتهم سوم العذاب.
الوقوف عند موقف الأم ليس دفاعاً أو هجوماً ولكن تعجباً، أم «آسر» التى صب المجتمع لعناته عليها هى واحدة من أمهات كثيرات نراهن كل يوم، استجبن بالإكراه لطلب المجتمع بترك الأبناء مع آبائهم دون رفاهية دراسة الموقف، وإن كان الأب أميناً أم لا.
والسؤال: لماذا تترك الأم أبناءها؟ الإجابة فى أغلب الحالات كالتالى:
- أم لا تعمل يكون أمامها اختياران، إما أن تدعمها أسرتها بالإنفاق على الأطفال فى حال امتناع الأب عن النفقة، أو تضطر آسفه لترك الأطفال لأبيهم من أجل صالحهم لأنها لا تستطيع دفع مصروفات الدراسة والمعيشة فى ظل أحكام نفقة تمتد قضاياها لسنين فى المحاكم، وفى حال النطق بالحكم يكون المبلغ هزيلاً لا يكفى لإطعام قطط، ورغم ذلك يمتد التنفيذ لسنين.
- الأم عاملة لكن دخلها متواضع وكانت تكرسه بالكامل فى المنزل، وبالتالى ليس لديها مدخرات تستطيع الاعتماد عليها فى حال تخلى الأب عن الإنفاق، وعندما يفيض بها الكيل وتنفصل لا تجد ما تنفقه على الأولاد وحال المحاكم لا يتغير، وكأن هناك اتجاهاً من القضاة لمعاقبة النساء اللاتى تجرأن وطلبن الطلاق أو الخلع.
فى ضوء تواطؤ كافة الجهات فى قضايا النفقة بدءاً من جهات العمل التى لا تعطى بيانات واضحة عن دخل الأب، مروراً بقاضى أسرة لا يملك صلاحيات طلب معلومات من البنك المركزى أو الجهات الرسمية عن دخل الزوج أو الحجز على أمواله «فى حين يملك هذه الصلاحيات موظف فى الضرائب مثلاً»، أيضاً لا يملك قاضى الأسرة معاقبة المزورين فى الدخل أو الشهادة، انتهاء بأحكام هزيلة لا تنفذ وتخلٍّ كامل من الدولة عن الأمهات فى تنفيذ الأحكام باستثناء مبلغ متواضع من بنك ناصر لا يكفى لشراء حذاءين للمدرسة، وما يزيد الطين بلة انتماء الأب إلى تملك فئات سلطة كالقاضى.
ما أود التأكيد عليه أن قضايا النفقة على مستوى الأحكام والإجراءات تحتاج إلى ثورة حقيقية، وأن «آسر» وأخته ليسا أول قصة ولن يكونا آخرها.