حتى لا أقع تحت طائلة القانون، أو يصبح بينى وبين أحدكم خصومة قانونية ويطالبنى بالتعويض المادى المؤقت أو يغالى فى مطالبه ويطالب محاميه بتوقيع عقوبة الحبس علىّ، أؤكد للجميع أننى لا أملك أى فيديوهات خاصة لأحدكم، كما أنه لا توجد لدى أى نية لإذاعة تسريبات صوتية أو مرئيّة على أى فضائية رغم أن أغلب أبطال برامج التوك شو زملاء لى بحكم الدراسة والمهنة التى كانت ذات يوم مهنة البحث عن المتاعب وأصبحت الآن مهنة البحث عن المشاكل والقضايا بعد أن اقتحمت التكنولوجيا حياتنا ومنازلنا وأماكن العمل والمتنزهات أيضاً.
وبعيداً عن الفضول الذى تشتهر به السيدات والرجال على السواء أقول لكم إنه بعد أن كنا نخفى قصص حبنا فى دفاترنا السرية ونضع صور الحبيب بين أوراق الكتب إلى جوار الوردة الحمراء التى جفت فى مكانها والتى كانت الترجمة الراقية الجميلة لكلمة أحبك صرنا الآن نعلنها على الفيس بوك (لعنة الزمان) التى جاءت لنا به التكنولوجيا والقرن العشرون والواحد والعشرون ولم نقف عند الاعتراف فقط فقد وضعنا صورة الحبيب خلفية للهاتف المحمول الذى أغلقناه بأرقام سرية حتى لا يلمسه غريب، فبين محتوياته سجلنا جميع أسرارنا وذكرياتنا وجدول الأعمال وأرقام هواتف العملاء والأهل والأصدقاء بل وحسابات البنوك وأرقامها السرية وتواريخ الميلاد والزواج والسفر والعودة.. و.. و..
وبعد أن كنا إذا فقدنا شيئاً غالياً أو ثميناً نهمس بخشوع (يا خالق يا رقيب) كما علمتنا الجدة الكبيرة ليلهمنا الله البصيرة ونجد ضالتنا أصبحنا الآن نقوم بتتبع الهاتف النقال عن طريق الإنترنت لنعرف إلى أى مدينة وفى أى شارع وصل به السارق، بل ونقوم بمسح المعلومات المسجلة على الملفات داخله ونفسده تماماً فلا يستطيع أحد استخدامه. ونقوم بتفريغ كاميرات المراقبة لنعرف ماذا حدث.
ولم يقف الحال على ذلك فقط ففى عام ٢٠١٧ وما سبقه أصبحت مكالمة تليفونية مسجلة أو فيديو يتم نشره بإحدى الطرق الحديثة كافياً لإسقاط حكومة أو إلقاء القبض على مسئول كبير أو خلع رئيس الجمهورية وإعادة الانتخابات. للأسف أن ما يجرى فى عالم السياسة وصل للمنازل وحكم على بعضها بالخراب؛ فهناك الزوج الذى شاهد خيانة زوجته على الهواء على اليوتيوب أو العكس، وهناك الأخ الذى يشاهد بالصدفة فيلماً خليعاً لإحدى شقيقاته يتبادله المراهقون فتكون النهاية قتلها والسجن له، والطريف أن يدخل عالم الفتاوى الدينية سؤال عما إذا كان الطلاق بالمسيجات على الهاتف النقال صحيحاً أم لا؟ وأصبحت المنازل والمكاتب مزودة بالكاميرات التى تسجل كل شىء، ويكفى ما شاهدناه بأعيننا على شاشات التليفزيون لصور القاتل الذى يتسلل إلى فيلا ويقوم بالسرقة والقتل ولا يترك وراءه دليلاً إلا فيلماً كاملاً منذ دخوله المكان حتى خروجه، ومع التطور أصبحت الأمهات والآباء يراقبون الأبناء عن طريق الهاتف المحمول وربطه بكاميرات دقيقة، فمن المسئول عن كل هذا القلق والعبث واللامعقول الذى نعيشه الآن؟
التاريخ يقول إنه ألكسندر جراهام بيل الذى حصل عام ١٨٧٦ على براءة اختراع أول هاتف، وكان أمريكى الجنسية وتعانى أمه وزوجته من مرض الصمم فظل يبحث حتى استطاع اختراع ما يوفر لهما إمكانية التواصل بينهما أو معهما عن طريق دراسته للصوتيات فقدم للعالم أجمع طرق التواصل السمعى على مسافات وليجىء بعده عام ١٨٧٧ المخترع الأمريكى أيضاً هيونمز الذى قدم الميكروفون، الذى كان بدوره نقطة بداية للتحول الحاصل فى عالم الاتصالات والهواتف. واستمرت الأبحاث حتى عام ١٨٧٨ حيث تم إنشاء أول نموذج نظام هاتفى تجارى فى مقاطعة كونيتكت، وفى عام ١٨٩١ قام المخترع مستروجر بتوسيع شبكة الهاتف عن طريق استخدام أول نظام تحويل إلكتروميكانيكى. أما أنواع الهواتف التى ظهرت منذ عام ١٨٨٢ فقد بدأت بالهاتف الحائطى، الذى كان يتكون من قاعدة لحمل سماعة المستقبل بالإضافة إلى عمود يتصل بمزود خدمة الاتصال، ثم جاء عام ١٩١٩ هاتف يحتوى على دولاب أرقام للاتصال مباشرة، أما التليفون المكتبى الذى كان يضم سماعة المتكلم وسماعة الأذن فى ذراع واحدة فقد اكتشف عام ١٩٢٨، وأعقبه الهاتف المكتبى موديل ٣٠٠، الذى أضيف له الجرس ليعلن عن وصول المكالمة عام ١٩٣٧، وبعد ذلك عرف العالم الهواتف المكتبية الملونة، التى امتازت بالألوان الزاهية عام ١٩٥٤، ثم هاتف الأزرار التى جاءت بديلة عن دولاب الأرقام. وفى أبريل المقبل تمر ٤٠ عاماً على اختراع الهاتف المحمول (الموبايل) الذى قدمه للبشرية مارتن كوبر، الذى كان يشغل منصب نائب رئيس شركة موتورولا والذى أجرى أول مكالمة فى التاريخ عبر الموتوسيكلات عام ١٩٨٩، ثم طرح أول هاتف بحجم الجيب وإدخال خدمة الـSMS عام ١٩٩٤، أما أول هاتف يتيح استخدام الإنترنت فقد كان من طراز Nokia711.
وبعد أن قصصت عليكم تاريخ فقداننا للخصوصية والرومانسية أقول بكل صدق لأحبتى وأصدقائى وزملائى آسفة لا أستطيع أن أعيش على الهواء.