تنشغل دوائر صُنع القرار ذات الصلة بالصراع الفلسطينى - الإسرائيلى بما سيترتب على اللقاء التاريخى الذى عُقد بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فبخلاف أن الزيارة جاءت بعد سنوات من الفتور، حاولت خلالها الولايات المتحدة الحفاظ على مسافة بعيدة عن نظام الحكم فى مصر، وبالذات فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، إن لم تكن قد أظهرت عداءً واضحاً هو أقرب إلى القطيعة السياسية والاستعداء منه إلى التحفّظ، خصوصاً فى ظل دعم إدارة الرئيس السابق باراك أوباما للرئيس المعزول محمد مرسى، وتعاونها مع الإخوان المسلمين فى الحياة السياسية، وبعد اللقاء الذى جمع بين الزعيمين، وأظهرت عدسات الكاميرا والتقارير الإخبارية الدولية والمحلية وداً ملحوظاً يُظهره «ترامب» لـ«السيسى»، نستطيع القول إن الرئيس السيسى أخيراً بدأ يحظى بالاعتراف الذى كان يطمح إليه كزعيم لأكبر دولة عربية فى الشرق الأوسط.
ولأن مصر تخوض حرباً شرسة ضد الإرهاب وضد تنظيم داعش الإرهابى فى سيناء، ولديها تحفّظات ما زالت قائمة مع حركة حماس التى تعتبرها الولايات المتحدة الأمريكية منظمة إرهابية (رغم محاولات «حماس» الحثيثة إذابة الجليد بينها وبين القيادة المصرية، على أثر الكثير من الملفات التى ما زالت مفتوحة، خصوصاً التى تتعلق بالأمن القومى المصرى)، فضلاً عن العلاقات المتينة التى تربط الرئيس السيسى بالبنتاجون منذ أن كان قائداً للجيش، كل هذه الأمور تتسق تماماً مع ما نراه مرحلة جديدة فى عهد العلاقات الأمريكية - المصرية بعد سنوات من الاستعداء الأمريكى دفعت مصر ثمنها غالياً، كما أنها تبدو منطقية فى التعاطف الشخصى الذى أظهره «ترامب» للرئيس السيسى، حيث يرى «ترامب» أن الرئيس السيسى فى حربه على الإرهاب اتخذ خطوات جريئة ومصيرية، بالإضافة إلى عدد من القضايا الحساسة المفصلية بعد تنصيبه رئيساً عام 2014.
لقد بدت واضحة رغبة الولايات المتحدة فى إعادة ضبط إيقاع العلاقات مع «القاهرة»، وهى ترجمة لوضع جديد تطمح إدارة «ترامب» لتهيئته، واعتقاد «ترامب» أن الرئيس السيسى هو شريك مركزى فى رؤيته حول الشرق الأوسط فى ما يتعلق بالحرب على «داعش» والتوصل إلى تسوية سياسية بين إسرائيل والفلسطينيين يعتبر رأس الحربة فى امتحان الثقة وتشكيل علاقة وثيقة بينهما، إذ يطمح «ترامب» إلى تحقيق صفقة بين إسرائيل والفلسطينيين، لأنه يعتبر الرئيس السيسى الوحيد القادر على إقناع كلا الجانبين بالمشاركة فى المفاوضات. ويبدو أن الزيارة الخاطفة التى قام بها الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى «القاهرة» منذ فترة قصيرة قُبيل زيارة «السيسى» إلى الولايات المتحدة، تأتى فى إطار فتح باب الحوار واستئناف العلاقات المشتركة التى كانت قد ناءت بها المسافات وشابها الفتور والتجاهل فى الآونة الأخيرة لأسباب كثيرة، قد يكون تمهيداً لاستضافة مصر مؤتمر سلام إقليمياً تحدثت عنه الأوساط السياسية بشأن التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، وربما كانت قمة العقبة التى جمعت بين زعماء مصر والأردن والسعودية، بالإضافة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى تُمهد لهذا المؤتمر أيضاً.
ورغم أن القضية الفلسطينية باتت تحتل أهمية أقل فى سلم أولويات العالم العربى فى السنوات الماضية على خلفية المأساة السورية، وما يحدث فى بلدان عربية أخرى مثل (ليبيا والعراق واليمن) من قلاقل وحروب مزّقت استقرارها، غير أن قمة البحر الميت التى انعقدت فى نهاية الشهر الماضى حاولت أن تضع القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها وتأكيد مركزيتها، وعدم استثنائها فى ذروة الأزمات الطاحنة التى تعانى منها المنطقة العربية! يأتى ذلك فى السياق نفسه أيضاً، وهو الإعداد لمؤتمر إقليمى تسعى إليه الولايات المتحدة بهدف الاتفاق على تسوية تُنهى الصراع العربى - الإسرائيلى برعاية دول عربية ذات ثقل ووزن فى المنطقة. ويبدو أن الرئيس السيسى يلتقى مع «ترامب» فى هدف تحقيق اتفاق تاريخى بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، اتفاق لم ينجح أحد من قبله فى تحقيقه، ومن أجل النجاح فى التأثير فى الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة «ترامب»، فضلاً عن الجهود المبذولة لضمان نجاح العلاقات الاستراتيجية مع «ترامب»، واستمرار المساعدة الأمريكية لمصر، رغم تقليص «ترامب» للمساعدات الخارجية مؤخراً، لكن يبقى السؤال: هل تنجح مصر فى إنجاز سلام إسرائيلى - فلسطينى عجزت عنه مفاوضات عشرين عاماً، ووضعت فى طريقه إسرائيل ألغاماً غير قابلة للتفكيك؟.