(١) كما ذكرنا فى المقال الفائت، كان هناك تنسيق فى انتخابات مجلس الشعب عام ٢٠٠٥، بين مكونات «الجبهة الوطنية للتحول الديمقراطى» التى كان يرأسها الدكتور عزيز صدقى، رئيس وزراء مصر الأسبق.. وكان يرأس لجنة التنسيق الدكتور السيد البدوى، سكرتير عام حزب الوفد آنذاك.. كانت من الدوائر التى أثارت جدلاً ظلت آثاره باقية لفترة طويلة، هى دائرة كفر شكر التى كان يترشح فيها لعقود السيد خالد محيى الدين، الرئيس الأسبق لحزب التجمع.. ولم يكن الإخوان ينافسون الرجل عليها، وكانت النية منعقدة على ذلك فى هذه الانتخابات.. والذى حدث أن إخوان محافظة القليوبية علموا أن الدكتور محمود محيى الدين، وزير الاستثمار آنذاك، وابن شقيق السيد خالد محيى الدين، ترشح فى دائرة كفر شكر بديلاً عن عمه الذى كان فى تلك الفترة فى حالة صحية حرجة.. وإزاء هذا المتغير، قرر الإخوان ترشيح أخيهم تيمور عبدالغنى أمام الوزير الدكتور محمود محيى الدين.. والتقى «تيمور» بعض عائلات كفر شكر ووجد منهم ترحيباً شديداً، وأخذوا عليه موثقاً بعدم الانسحاب مهما كانت الأسباب.. وفوجئنا بالدكتور «محيى الدين» ينسحب لصالح عمه.. اتصل بى بعدها الدكتور السيد البدوى ليبلغنى طلب حزب التجمع بأن نخلى الدائرة للسيد خالد محيى الدين.. فقلت: إن السيد حسين عبدالرازق، سكرتير عام حزب التجمع آنذاك، كان قد اتصل بى وطلب إخلاء دائرتى أجا ومزغونة لمرشحى الحزب، فأجبته لما طلب، ولم يشر بكلمة تخص دائرة كفر شكر.. رد الدكتور السيد البدوى قائلاً: إن حزب التجمع يعتبر مسألة السيد خالد محيى الدين منتهية ولا تحتاج لتأكيد أو تذكير.. فقلت: سوف أحاول مع إخوان القليوبية.. واتصلت بهم فعلاً وأخبرونى بالقصة كاملة.. ثم أضافوا معلومة جديدة وهى أن أنصار خالد محيى الدين يحولون بين الإخوان -كدعوة- وبين أهالى كفر شكر لزمن طويل، وهذه هى المرة الأولى التى يستطيعون فيها إيجاد موطئ قدم، وإذا حدث انسحاب فلن يتمكنوا من دخولها مرة أخرى.. هذه هى قصة الإخوان مع السيد خالد محيى الدين فى انتخابات عام ٢٠٠٥ والظروف التى أحاطت بها.. وكما هو واضح، فإن المسألة لا علاقة لها بموقف حزب التجمع من الإخوان، ولا بموقف الإخوان من حزب التجمع أو بالسيد خالد محيى الدين نفسه، ولو أن الرجل ترشح من البداية لكان للأحداث شأن آخر.
(٢) لقد تقدم الإخوان بـ١٦١ مرشحاً فى تلك الانتخابات، وكانت أغلب التوقعات تدور حول الفوز بـ٥٥ إلى ٦٠ مقعداً.. ربما كانت هناك توقعات أعلى (٦٥ - ٧٠ مقعداً)، أو أقل (٣٥ - ٤٥ مقعداً)، وكان اختلاف التقديرات ناشئاً عن التباين فى نظرة كل فئة لنسبة التزوير المتوقعة أو التى ستتم فى الانتخابات.. وذلك يخضع بطبيعة الحال لعدة عوامل، منها: الإرادة السياسية للنظام الحاكم، الإشراف القضائى، الإقبال الجماهيرى على صناديق الاقتراع، نظام المراقبة، والتنسيق بين المعارضة.. صحيح أن خبرة الإخوان وتجربتهم مع النظام المصرى فى الانتخابات النيابية مريرة وذات شجون.. وصحيح أيضاً أن أغلبية الشعب المصرى فقدت الثقة ولم يعد لديها أى أمل فى إجراء انتخابات حرة وشفافة ونزيهة تعبر عن إرادتها الحرة، وهو ما أصابها بالإحباط والسلبية واللامبالاة.. غير أن الظروف التى سبقت انتخابات ٢٠٠٥، كانت مختلفة عما سبق من انتخابات.. فبالإضافة إلى ما ذكرت فى بداية حديثى، كان هناك عزم وإرادة وتصميم من السادة القضاة على القيام بواجبهم وتحمل مسئولياتهم فى الإشراف على تلك الانتخابات بشرف ورجولة، وكسدنة للعدل وصمام أمان لأمن واستقرار الدولة والمجتمع.. لقد كان السادة القضاة يعلمون عن يقين أن هذه المهمة الكبرى سوف تكلفهم كثيراً من العنت، وسوف تعرضهم لغضب السلطة القمعية والباطشة، إلا أنهم كانوا على هذا المستوى من السمو والعلو والإيمان والثبات والصمود والتحدى والمقاومة.. هذا العنصر الفريد لعب دوراً من أجل وأعز الأدوار فى الإشراف على انتخابات ٢٠٠٥، وسوف يسجل التاريخ بكل الفخر والاعتزاز والتقدير والإجلال لهؤلاء القضاة الأماثل هذا الدور المشرف، وسوف يذكر أيضاً أن مصر سوف تظل عظيمة وجليلة وكريمة وعالية القدر ما دام فيها أمثال هؤلاء الرجال.
(٣) من الظواهر الفريدة أيضاً التى برزت فى انتخابات ٢٠٠٥، كان دور المرأة، حيث شاهد العالم تدفقها وإقبالها غير المسبوق على صناديق الاقتراع، وأن الفوز الذى تحقق للإخوان كان وراءه -فى جزء كبير منه- هذا الدور الفذ الذى قامت به.. وإن نسينا، فلا يمكن أن ننسى ذلك المشهد المؤثر والمعبر عن كل معانى الإصرار والتحدى؛ مشهد النساء وهن يصعدن السلالم الخشبية المتنقلة ويقفزن من النوافذ الخلفية لمقار لجان التصويت بعد أن حيل بينهن وبين الولوج إلى داخل المقار من الطريق العادى.
(٤) فى المرحلة الأولى من الانتخابات، وقعت المفاجأة، حيث فاز الإخوان بـ٣٤ مقعداً.. نعم حدث تزوير فى بعض الدوائر، لكن الأمور كانت هادئة إلى حد ما.. وفى المرحلة الثانية وقعت مفاجأة أخرى، لكن من العيار الثقيل، وهى فوز الإخوان بـ٤٢ مقعداً.. وعلى خلاف الأجواء الهادئة التى تميزت بها الجولة الأولى، شهدت الجولة الثانية توتراً واحتقاناً، حيث بدأت حملة واسعة من الاعتقالات بين صفوف الإخوان.. وطبقاً لما ذكره الأستاذ هيكل، فإنه عقب المرحلة الثانية قام رئيس وزراء الكيان الصهيونى آنذاك بالاتصال بجورج بوش الابن رئيس الولايات المتحدة وناشده التدخل لدى الرئيس الأسبق مبارك والإعراب عن قلقه إزاء النتيجة التى أحرزها الإخوان فى الانتخابات وضرورة تدارك الأمر فى المرحلة الثالثة.. شخصياً، لا أدرى مدى حقيقة هذه الرواية، وإن كنت لا أستغرب حدوثها.. ففى تلك الفترة، كان الكيان الصهيونى يعتبر أى فوز أو تقدم أو إنجاز يحرزه الإخوان فى مصر -أو فى أى مكان- نكداً أو خطراً عليه.. وهو من ثم لا يدخر وسعاً أو جهداً فى سبيل تعويق الإخوان عن بلوغ أهدافهم ومراميهم، ويتبع فى ذلك كل الوسائل والأساليب، حتى ولو كانت تدخلاً فى شئون مصر على هذا النحو الكريه الذى ذكره الأستاذ هيكل.. (وللحديث بقية إن شاء الله).