كلما تضاعفت كثافة الجهل أصبحت محاربته «حياة أو موت»، نحن نعانى من توطين الجهل، فالجهل ثقافة وفقه وتراث وسموم فتاوى وزوايا وفقر ومنهج جهل على جهل، الجهل ينتج عقولاً مفخخة وكأن شعاع العقل من خصائص أجناس أخرى أو أنه لا يليق بنا ومن يديرون فتنة الإرهاب يدركون تدنى الإشعاع فى هذه العقول المكتنزة بكثافة متزايدة من ظلمة الجهل، وهذه العقول لها فى بعض كتب التراث وفى الآراء والفتاوى المسمومة التى يطلقها جهلاء يظنون أنفسهم علماء، ما يؤكد أن نكاح الجنة يدوم 70 سنة وأن لكل مسلم 1900 حورية!!! هذه الرشوة تستقبلها عقول عديمة التحقق على أرض الواقع وتراه ناراً فتحلم بالجنة وحور العين ولمزيد من السموم يجلبون لهم من كتب التراث ما يؤكد أن العالم كافر وأن القتال واجب بل تهنئة غير المسلم حرام بل بعض المرضى الذين يقدمون أنفسهم باعتبارهم زعماء دين ووكلاء الله على الأرض الكافرة يفتى «لا فض فوه» بأنه لا يجوز أن تحب زوجتك المسيحية وإنما تتزوجها من أجل جسدها!!! إنها فتاوى وآراء وأفكار تؤكد ظلمة وظلم الجهل الخالى من المنطق ومن الإنسانية، ولكن للأسف يصاب به ملايين المسلمين على امتداد العالم، والنتيجة أنه مع كل حادث إرهابى دموى فى العالم يكون وراءه هذا الفكر الظلامى الذى ينتسب للإسلام ويشوهه ليصبح الإسلام فى الغرب مرادفاً للإرهاب، وبينما الدول العظمى هى من يستثمر هذا الجهل وهى من تصنعه وتقدم له كل الدعم، ورغم أن النار التى تلعب بها وتغذيها تعود إليها وتنفجر فيها وذاقت الولايات المتحدة وأوروبا نيران هذا الإرهاب المستمر إلا أن بعض هذه القوى تمضى فى طريقها تصنعه ثم تزعم أنها تحاربه!! وفى المجتمع المصرى يمارس من يحمل لقب رجل دين سلطته المعرفية على الآخرين، ونفس السلطة يمارسها من يعتبر نفسه متديناً على من يراه أقل تديناً أو فى مرتبة أدنى فيراه فاسقاً أو مارقاً، ويمارس كل هؤلاء السلطة على الآخر سواء كان مسيحياً أو يهودياً أو لا ينتمى إلى أى دين، والإحساس بهذه السلطة وبهذا الاستعلاء هو أحد أمراض المجتمع الكبرى، التى تكشف ماذا فعل بنا فائض من الجهل وتوطين التمييز كارثة كبرى، خاصة إذا كان تمييزاً دينياً وعلى مستوى العالم الإسلامى أنتج هذا الفكر الصراع القبلى الذى قسم أمة الإسلام إلى سنى وشيعى، أهل السنة يعتبرون أهل الشيعة كفاراً وأهل الشيعة يعتبرون أهل السنة كفاراً، وكل صاحب عقيدة يرى فى نفسه أنه الأفضل والأرقى والمبشر بالجنة، وكل طرف يمارس تطرفه وإرهابه بمستويات مختلفة، وهذا الصراع والتمييز الدينى يتم توريثه فكيف سنحارب الإرهاب وهو بداخلنا وفى أفكارنا؟! ومصر ليست هى الوحيدة التى يجب عليها محاربة الإرهاب ولكن دول عربية كثيرة ينمو فيها هذا الإرهاب وترعاه وتصدره، والمصدر واحد كتب وآراء وثقافة ورثناها دون فهم ودون علم ودون وعى، إنه الحفظ وانعدام الوعى والفهم، كيف نحارب الإرهاب ونحن نمنح السلطة معنوياً لرجال الدين والفتاوى؟ ويقيناً أن القوى العظمى التى تحكم العالم تدرك تماماً التركيبة النفسية والعقلية للعالم العربى، فهى تعرف كيف تدمره فدماره من داخله وما أجهله عالمنا العربى وما أظلمه، كيف نحارب الإرهاب ونحن نعيش فى ظلام القرن الرابع والخامس عشر فى أوروبا، حيث كانت تواجه إرهاب رجال الكنيسة ودفعت أوروبا ثمناً باهظاً وحروباً رهيبة ولكن كان ذلك فى عصور الظلام، فلماذا نعيد إنتاجها وندفع هذا الثمن والعالم يتطور والعلم يتقدم والإنسان يرتقى ويتجاوز ظلام هذه العصور؟ كيف نحارب الإرهاب ونحن نقف فى نفق الفكر التحريضى الذى يصل بنا الى أعلى مستويات للكراهية ولا نستطيع إغلاق منافذ الإرهاب والتطرف التى تأتى من أفكار مسمومة فى كتب صفراء تحفظها عقول ليست لديها مناعة ولا علم، بينما نحن نخشى المواجهة أو ربما داخلنا نصدق هذه الأفكار المسمومة أو نستسلم لثقافة رسخناها، تخلصت أوروبا من الرجعية الدينية ليعيد لنا تحالف الجهل وإرادة القوى العظمى هذه الرجعية إلى الأرض العربية الممهدة لإقصاء العقل والمحرضة على تجريف الوعى، أو كما قال د. نصر حامد أبوزيد «لقد قمنا بتجريف التدين بل بتجريف الدين نفسه»، كيف نحارب الإرهاب فى مصر ونحن نعانى من سيادة فاشية الجهل التى أضعفت مناعة الشخصية المصرية وتهاوت مقاومتها وسقطت فى بحور التناقضات، فللجهل كما للكراهية بوصلة عمياء تقود صاحبها إلى خوض المياه الموحلة ظناً منه أن اجتيازها سيوصله إلى ماء عذب، وهو لا يدرك أنه سيبقى فى وحل وطين وعمى، كيف نحارب الإرهاب وتجريف العقل المصرى مستمر بنجاح ساحق منذ بدأ تجريف التعليم، فزادت المدارس واستشرى الجهل وزادت الجامعة وقل العلم وانتشر التدين وندرت الأخلاق، كيف نحارب الإرهاب ورمال الجهل المتحركة تسحبنا حيث لا فرار، لأننا فى غيبوبة ولا ندرك أن مستوطنات الجهل تعمل على قدم وساق ونحن لا نزال لا نملك أى رؤية أو خطط ونعتبر العلم وجاهة أو رجساً شيطانياً أو لزوم ما لا يلزم، فقط نحفظ ونردد شعارات مثل تجديد الخطاب الدينى!!! كيف نحارب الإرهاب ونحن نتنفس الفساد كالهواء ونغرم بالتواطؤ إذا ما تعلق الأمر بأى مشكلة يقحم فيها الدين؟ كيف نحارب الإرهاب ونحن نملك جهلاً سميناً وشعارات جوفاء، فبأى سلاح نحارب الإرهاب وهل ندرك أن كل معركة تتجه بنا نحو الفناء أو الحياة.