حالة «العمى السياسى» أصبحت تسيطر على بعض المسئولين بحيث لم يعد بإمكانهم التمييز بين «العدو والحبيب»، ولأنها «حالة عامة» دخل «إسلام بحيرى» السجن وهو يواجه التطرف والإرهاب باسم الدين، وتم منع برنامج «إبراهيم عيسى» للسبب نفسه.. وظلت الدولة تتخبط لا تعرف نقطة البداية لحربها المقدسة على «التطرف والإرهاب»، رغم أن «العدو» واضح ومحدد، لكنها تصر على حرق أسلحتها، وتسليم حلفائها للأعداء!
بهذا المنطق تتصور الدولة أن ثورة 25 يناير كانت «ثورة الفيس بوك»، وأن ثورة 30 يونيو كانت «ثورة الإعلام»، ولهذا تتحسس «قانون الطوارئ» كلما اقتربت منهما، وتطلق صواريخ التشريعات للقضاء على «ثوار مواقع التواصل الاجتماعى»!!
منتهى الغباء أن تسخر «قانون الطوارئ» لملاحقة مجموعة شباب يندد باتفاقية «تيران وصنافير» على «تويتر وفيس بوك»، أو تطارد من ينتقد الأزهر والبخارى بـ«تويتة»، بزعم أنك تحارب «الإرهاب الإلكترونى».. فأنت لا تعرف الفرق بين «حرية الرأى» و«الإرهاب».. ولا بين شباب يدافع عن السيادة الوطنية على أرض مصر، وآخر يفجر الكنائس والمنشآت العامة ويغتال الشخصيات السياسية.
ورغم وجود ترسانة من القوانين تحاصر «الشبكة العنكبوتية»، فإن «مجلس النواب» على وشك إصدار قانون «مكافحة الجرائم الإلكترونية»، وفى ضربة استباقية للمجلس قرر النائب «رياض عبدالستار»، عن حزب المصريين الأحرار (الذى كان ليبرالياً)، قرر اقتراح فرض رسوم على الفيس بوك، قال إنها 5 جنيهات وتردد أنها 200 جنيه.
دعك من «سياسة الجباية» من شعب تتفنن حكومته فى إفقاره، لكن المثير للسخرية أن النائب المحترم لم يكن يعرف أن «الفيس بوك» مملوك لـ«مارك زوكربيرغ»، وشركته هى الوحيدة صاحبة الحق فى فرض أى رسوم أو تعديل «سياسة الخصوصية» التى تنتهجها!
أما الجديد والغريب فقد فجره النائب «أحمد رفعت»، عضو لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالبرلمان، الذى تقدم باقتراح لغلق موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» ومواقع التواصل الأخرى أثناء الانتخابات الرئاسية المقبلة فى مصر والمزمع عقدها العام المقبل، إلى جانب غلقها أيضاً أثناء أى انتخابات تجرى فى مصر، لمواجهة محاولات التأثير على إرادة الناخبين فى مصر!!
اقتراح يفرض علينا مطالبة «مارك» بإضافة زر جديد، إلى جانب السعادة والحزن والغضب، لنتمكن من «اللطم» على الملأ.. فما يقوله النائب «فضيحة» بكل المقاييس.. حتى لو تحجج بقدرة الفيس بوك على تغيير اتجاهات الرأى العام.. فعندما اشتكت فرنسا من وجود حسابات وهمية وهاكرز قبيل الانتخابات الرئاسية فى البلاد التى ستجرى هذا الشهر، إدارة الفيس بوك هى التى أغلقت ثلاثين ألف حساب وهمى فى فرنسا!
«رفعت» يقول إن «السوشيال ميديا» مجتمع لا أخلاقى.. إذن، أليس من المخجل أن تكون لكل هيئات الدولة ومؤسساتها -حتى مؤسسة الرئاسة- صفحات عليه؟
لقد كان الخطأ الدرامى لـ«مبارك» -أثناء ثورة يناير- هو قطع النفس «الإنترنت» عن البلاد، مما اضطر الجميع للنزول إلى ميدان التحرير، ونفس عقلية المصادرة والحصار والمنع تحكمنا ولكن «النسخة المعدلة».
رواد مواقع التواصل الاجتماعى «غير الأخلاقية» يمكن تقسيمهم إلى ثلاث نوعيات رئيسية: (1- تنظيمات إرهابية على رأسها الإخوان، 2- اللجان الإلكترونية للدولة من أمن وغيره، 3- الشعب بكل أطيافه وفئاته العمرية والمهنية).. فمن يسيطر على المشهد إذن؟
السيطرة للأكثر صخباً وضجيجاً حتى لو كان للجان الدولة التى تطارد من تصنفهم «أعداء»!
وأنا أكتب كلماتى هذه أعلم وتعلمون جميعاً أن كل حساباتى على الإنترنت مخترقة أمنياً، وأن كل مكالمات الصحفيين مسجلة، لحين تصنيف «العدو من الحبيب»!
بقى، إذن، «فيس تايم» الذين يريدون منعه، وهو خاصية موجودة على هواتف «الآى فون» وتتيح لمستخدميها مكالمات صوتية لا يمكن تتبعها، على عكس «الواتساب والفايبر» الذى يمكن تتبعهما.. طيب، أخبار «الأكسجين» إيه.. هتمنعوه أم نتنفس الهواء بتلوثه؟
وكأن عباقرة هذا الزمان لم يسمعوا من قبل عن الـIP address، وهو المعرف الرقمى لأى جهاز (كمبيوتر، هاتف محمول.. الخ) يدخل إلى شبكة الإنترنت، ولا عن اشتراطات الحكومة على شركات المحمول بالكشف عنه (حال الطلب) لأى مستخدم.
ولم يعرفوا بعد أن التنظيمات الإرهابية تستخدم ما يسمى «الإنترنت المظلم- dark web»، وهو فضاء يستحيل الوصول إليه، مخصص للجرائم المنظمة، ويستخدم كمكان لتبادل كل المعلومات الممنوعة.. ومنها مواقع تعليم صناعة واستخدام الأسلحة والمتفجرات وتقنيات الحرب، ومواقع تعليم الاختراق.. إلخ.
السادة النواب تركوا كل هذه الجرائم، وأهملوا قضايا التعليم والصحة والغلاء و«الأيام السوداء».. وتفرغوا لملاحقة شلة شباب يكتبون تدوينات بدون «رقابة»!
شباب نقلوا مظاهراتهم إلى «العالم الافتراضى»، وأشعلوا الحرائق، وأزعجوا السلطات، ونغصوا على النواب عيشتهم.. والنواب لا يعرفون «العدو من الحبيب»!
السادة المسئولين: هناك موقع اسمه «الحياة الثانية».. يوجد عليه مجموعة إرهابيين.. اجروا اعتقلوهم!!