من حق الرئيس «عبدالفتاح السيسى» أن يغضب، ينفعل.. أن يصدر مشاعره وكبرياءه، قبل خبرته السياسية والدبلوماسية، حين يتعامل مع شعب اختاره فى لحظة «ثورية»، وراهن على حلته العسكرية، وهو يعلم حجم التحديات التى يواجهها.
من حق الرئيس أن يتعامل بـ«حساسية مفرطة» تجاه كل نقد، أو حملة إلكترونية يقودها «الإخوان»، أعداء الوطن، من «قطر»، لكن ليس من حقه أن يترك «الدفة».
كنت أتعجّب وأنا أستمع إليه فى «مؤتمر الشباب» فى الإسماعيلية، أتعجب من «بلادة» من حكموا مصر قبله!.. كان «مبارك» يعصف بالقانون والدستور ويسحل المعارضة ويرفع شعار «سيبوهم يتسلوا».. والمعزول «مرسى» تحول إلى فقرة كوميدية فى حياة المصريين، وترك الحكم لمكتب الإرشاد وميليشياته المسلحة، ثم أصدر بياناً دستورياً «شبه إلهى»، واستقدم التنظيمات الإرهابية وخرب البلاد ورفع شعار «الشرعية»!!
«السيسى» مختلف، لم تهزمه شراهة الحكم، إنه غارق فى «الهمّ»، محاصر بشعب محكوم بثقافة «الطعام والإنجاب»، وحدود تصمد ببسالة فى وجه مؤامرات التقسيم، و«دول معادية» تنفق المليارات لتفكيك مصر من الداخل، ورأى عام دولى لا يُفرّق بين دماء «الإرهابى والضحية».. وسياسة «تجويع» لوطن منهك اقتصادياً، محروم من السياحة والاستثمار، وضربات موجعة للأقباط، لتمزيق النسيج الوطنى، وشهداء بالمئات من الجيش والشرطة!.
أقسم الرئيس ثلاث مرات: (أقسم بالله العظيم، لو مش عايزين مش هاقعد ثانية فى المكان ده).. التقط بعض «المرتزقة» من مناضلى «تويتر» هذا التصريح لمحاولة إفساد المؤتمر، ويبدو أن الرئيس يصنفهم ضمن «المعارضة الوطنية» رغم أنهم «عملاء» يطرحون أنفسهم على «قطر وتركيا»، ونحن نعرفهم بالاسم!
جاء الرئيس فى اليوم الثانى للمؤتمر «حزيناً»، تستطيع أن تقرأ هذا فى «لغة الجسد» ونبرة الصوت، لكنه بثبات وثقة فى الله أكمل رسائله إلى العالم، متحدياً سيناريو إفشال مصر.. وهذه محاولة لقراءة أهم الرسائل التى وجّهها الرئيس إلى الداخل:
1 - «رفح 1% من سيناء»: كانت رسالة «السيسى» الأولى إلى العالم أن «الإرهاب» لم يحتل مصر، وأن الإسماعيلية نموذج مشرق بكل ما فيها من إنشاءات وتوسعات حول محور «قناة السويس الجديدة»، وأنها أرض واعدة بالتنمية المستدامة وفرص الاستثمار فى كل المجالات.. وقد عرض شباب «البرنامج الرئاسى» بإسهاب، هذه الفرص.
2 - «اعذرونى لأنى حاولت الإصلاح»: جملة مؤلمة تُلخص عجز مصر عن «الاستدانة»، واستبدال «سياسة المعونات» بالإصلاح الاقتصادى الجرىء، الذى قد تكون كلفته باهظة على المواطن، لكنها فاتورة مستقبل بلا فقر.
ومن بين متاهة أرقام عجز الموازنة ومعدل النمو، نأخذ رقماً واحداً: (الدين العام قفز من 700 مليار جنيه إلى 3.4 تريليون جنيه)!.
ورغم هذا العبء الذى يخلق حالة انسداد اقتصادى، ثمّن الرئيس تحمل المصريين غلاء الأسعار والمعيشة، وقال: (حطوا إيديكم فى إيد مصر).. الصبر ووعى المواطنين هما جسر العبور من الأزمة.
3 - أكمل العبارة: «الفكر ...»: (لا أطالب أحداً بتغيير فكره بشرط ألا يحوله إلى أفعال وإيذاء للمصريين)، جمله فسرها البعض بخبث بأن الرئيس قد يقبل «التطرّف»، وهو اللفظ المسكوت عنه، لكن الرئيس ردّد عدة مرات أن الإسلام ليس دين قتل وإكراه وخراب. وأشار إلى إنشاء (المجلس الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرّف) لمواجهة الفكر المتشدّد.
وأكد أن اتجاه الإرهاب لتهجير الأسر المسيحية من مدينة العريش واستهداف الكنائس، هو تحويل مسار الإرهاب لضرب النسيج الوطنى، لكن الشعب المصرى أقوى من محاولات إحداث «حرب أهلية».
4 - ضمير مستتر تقديره «قطر»: (مصر لا تتدخل فى شئون أى دولة أخرى، ولا تتآمر على أحد.. لو هتقولوا دى سياسة مسالمة، خلوا حد يقرب من حدودنا وانتم هتشوفوا).. هكذا رد الرئيس على سؤال حول الدول إلى تدعم الإرهاب بالمال والسلاح.. وصلت الرسالة؟.
5 - حكم «تيران وصنافير»: (نحن نحترم المؤسسات والقوانين، وكسلطة تنفيذية خلصنا الواجب بتاعنا، وعملنا دورنا بأمانة وبوطنية، لم نجامل أحداً، ولا أحد يجامل على حساب بلده، وعلى حساب متر أرض).. جمل حاسمة للرئيس توضح موقفه من الصراع على ملكية الجزيرتين.
أغلق الرئيس باب المزايدة السياسية والتكهنات، وحرب الشائعات قائلاً: (نحترم حكم المحكمة، أظن دى إجابة كافية).
ثلاثة أيام من الصدق والشفافية والإجابة عن كل التفصيلات، إجابة مشفوعة بالأرقام والتفصيلات تعرضها الحكومة، وشباب ناضج واعٍ يحاكم الوزارة مجتمعة، ويطرح رؤاه للإصلاح والتنمية والمستقبل.
مشكلات تحتل عقل الرئيس، من صاحبة «عربة البرجر» إلى حملة إزالة «الكافيهات».. من المعارضة التى هى «جزء من التجربة الديمقراطية»، إلى مكافحة الفساد بتقليل «العامل البشرى».. بينما البعض يتمتع برفاهية التحليل المغرض.
الرئيس مع الشباب، يغرس الأمل فى الصحراء، و«حزب تويتر» يناضل على الكيبورد.
فخامة الرئيس: دمت لمصر.. نحن نحبك بتلقائيتك وعفويتك، بحماسك وإصرارك.. بعواطفك الجياشة وغضبك النبيل.