«الروتين» يمنع قرية «الحرف» من التصدير لـ9 دول منذ 17 سنة
منتجات قرية الفواخير مهددة بالانقراض
بعد 17 عاماً ينتظر مشروع قرية الفواخير بمصر القديمة ما يُسمى بـ«قُبلة الحياة» من الحكومة للانتهاء منه، وتوصيل كل المرافق له وتشغيله وتحقيق الهدف المرجو منه لتطوير الحرفة ودعم الاقتصاد الوطنى بالتصدير للخارج وجلب العملة الصعبة وإنشاء ورش وفواخير صديقة للبيئة تعمل بالغاز الطبيعى بدلاً من الحرق العشوائى بالمازوت والخشب والكاوتش ومخلفات المستشفيات، وأكد أصحاب الفواخير والعاملون بالمهنة خلال جولة «الوطن» داخل قرية الفواخير، أن القرية حلم لم يكتمل حتى الآن، ما دفع بعض الحرفيين وأصحاب الورش إلى ترك المهنة والسفر للخارج بحثاً عن لقمة العيش، مؤكدين أن وعود الحكومة ما زالت وهمية منذ عام 2000، فالورش قائمة دون توصيل المرافق لها من كهرباء ومياه وغاز، ومعظمها لا يعمل فقد طالتها يد الإهمال، حتى من يعمل منها يعتمد على الحرق العشوائى للخشب والكاوتش، ما تسبب فى حدوث صدأ وتشققات فى الجدران.
«محمود»: نرفض التعاقد مع المحافظة لوجود 17 بنداً مجحفاً لنا.. والمهنة تنقرض و«الصينى» يغزو الأسواق.. و«يحيى»: العمالة هربت بسبب الركود
وقال أحمد محمود، صاحب ورشة، إن إهمال الحكومة لقرية الفواخير أدى إلى نقص العمالة من فنيين للألوان والرسم وغيرهم، وأى تأهيل لفنيين جدد يحتاج 7 سنوات، فالمهنة تنقرض، والحكومة لا تسمعنا وتريد الاستثمار فينا، بينما الهدف من المشروع تنموى ودعم المنتج الوطنى والتصدير للخارج، فقد كنا نصدر منتجات إلى 9 دول من عام 95 وحتى عام 2000، ومن بينها هولندا وإنجلترا وبلجيكا وأمريكا، علاوة على الدول العربية، بينما المنتجات الصينية غزت الأسواق بالفازات والأنتيكات، ونحن ينقصنا الدعم والدعاية، وأضاف: نرفض التعاقد مع محافظة القاهرة لأن هناك 17 بنداً فى التعاقد، وهى بمثابة شروط مجحفة وسلب إرادة لأصحاب الوحدات بموجبها يمكن سحب الورشة فى أى وقت، فالدولة ممثلة فى محافظة القاهرة تسعى للحفاظ على مصالحها بغض النظر عن احتياجات ومشكلات العاملين، وبالتالى توجد أزمة ثقة مع الحكومة، ومن هنا يرفض أصحاب الورش التعاقد مع المحافظة، مؤكداً أن قرية الفواخير تواجه مشكلات إدارية مثل العلاقة الإيجارية، فالمحافظة حددت 5 جنيهات سعر المتر الدوبلكس بحيث تكون قيمة الإيجار500 جنيه لكل 100 متر.
وأكد صلاح محمد، صاحب ورشة، أن المشروع معطل وهدفه لم يتحقق، فلا توجد مرافق ولا أفران غاز طبيعى ولا كهرباء ولا مياه، والقرية شبه مهجورة والحوائط ضربتها التشققات والصدأ بسبب الحرق العشوائى، علاوة على انتشار الأمراض بين العاملين فى المهنة، وتم تشريد عدد كبير من العمال والفنيين خلال الأعوام السابقة، داعياً المسئولين إلى إشراكهم فى دراسة أى موضوع يخص الفواخير قبل إصدار قرار من جانب واحد، وأشار إلى أنه لا توجد نهاية لمشروع الفواخير منذ 11 عاماً، ووعود الحكومة بإنهاء قرية الفواخير وهمية حتى الآن، وأضاف «محمد» أن أفران الغاز لها مواصفات معينة والفرن الواحد تصل تكلفته من جانب الحكومة من 50 إلى 70 ألف جنيه، والحكومة تريد تركيبه للورش مقابل تقسيط سعره، وأنا أقول لهم مش عايزين فرض أى رسوم وسيبونا نعمل الفرن بنفسنا.
«محمد»: القرية شبه مهجورة والحرق عشوائى بالمازوت والمخلفات.. والحوائط ضربتها التشققات والصدأ.. و«شوقى»: الأمراض تحاصرنا وليس لدينا تأمين صحى
والتقط طرف الحديث يوسف طه، صاحب فاخورة، قائلاً: تسلمت منذ 3سنوات الفاخورة بدون كهرباء ولا مياه ولا فرن حتى الآن، ونعمل بمجهود ذاتى، وأغلب الورش مهجورة لأن وعود الحكومة وهمية، والموضوع يبدأ منذ أيام السحابة السوداء سنة 2003 عندما حددت نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة وقتها مناطق بعينها، التى تسببت فى التلوث، وقد أغلق المحافظ وقتها عبدالرحيم شحاتة المنطقة كلها بالشمع الأحمر لمدة عام ونحن بلا عمل.
وقال محمد على، فنى: فى عهد الدكتور عبدالعظيم وزير، محافظ القاهرة الأسبق جاءت منحة من اليونيسكو للفخار وتنمية المهن اليدوية، وقد طُلب منا أن نسلم الأراضى المقامة عليها الفواخير، مقابل خطابات تعطينا الحق فى الحصول على وحدات جديدة، ولكن غلطتنا أننا أخذنا هذه الجوابات بدون ميعاد التسلم، وتقدمنا بطلبات وشكاوى للمحافظة والحى ولكن دون جدوى، مؤكداً أن كل ما يريده أصحاب الفواخير هو سرعة تسلم الوحدات وتطوير الصناعة واستخدام أفران الغاز بدلاً من الحرق الذى يلوث البيئة.
وقال على نور الدين، بائع فواخير وأنتيكات: أعمل بتلك المهنة منذ 46 عاماً، ولدىَّ 6 أولاد وليس لى مصدر رزق سوى تلك المهنة، والمحافظة وعدتنا بتسلم باكيات لبيع منتجات الفخار التى تنتجها قرية الفخار ومع ذلك لم يحدث شىء، فأنا أقف على رصيف الشارع وأعرض المنتجات وأتحمل البرد والمطر أنا وأولادى وأواصل العمل بالليل والنهار وأنام على الرصيف وأتعرض لحوادث سرقة، كما أن الرزق قليل، وقبل الثورة كان يتردد علينا سياح أجانب للحصول على هدايا ومقتنيات، أما حالياً فلا يوجد زبائن إلا فيما ندر، والدولة لا تراعى أحوالنا الصعبة، فأنا ليس لى واسطة حتى أتسلم فاخورة داخل قرية الفواخير، وأقول لينا رب اسمه الكريم، وأشار إلى أن العشوائيات زادت بعد الثورة وتحولت الوحدات المهجورة وقتها إلى أوكار، فضلاً عن تعرضها للسرقات المتتالية فقد تمت سرقة المواسير ومواد البناء أكثر من مرة.
وقال محمد يحيى، فنى: عدم تسليم الوحدات حتى الآن أدى إلى هروب كثير من العمالة، فضلاً عن أننا نعيش فى حالة قلق وخوف، والمهنة مهددة بالانقراض بعد تشريد كثير من العمال وإغلاق الفواخير القديمة وعدم افتتاح الجديدة فترة طويلة، مما أدى إلى اتجاه عدد من الفنيين والصنايعية إلى الاشتغال بمهن أخرى والسفر للخارج، ناهيك عن أن ارتفاع أسعار الخامات من الطين الأسوانى والجلندات والجليز وغيرها يعد من أبرز المشكلات التى تواجه صناعة الفخار فضلاً عن تعنت الدولة فى تعاملها مع القائمين على المهنة.
وطالب محمد شوقى، عامل بالفواخير منذ 25 عاماً، بدعم صناعة الفخار بدلاً من وضع العراقيل لتلك الصناعة التى ابتكرها المصريون منذ عهد القدماء للحفاظ على الهوية المصرية، وقال: أدعو الحكومة إلى تنظيم حملات ومعارض لدعم المنتج المصرى والتركيز على صناعة الفخار، فهناك دول تقوم بعمل معارض وأتيليهات لعرض منتجات الفخار وتسويقها فى الداخل والخارج لجلب العملة الصعبة ودعم الاقتصاد الوطنى ورواج الحرفة.
وأبدى «شوقى» حزنه الشديد لتراجع المهنة وتضارب قرارات الحكومة بشأن استكمال قرية الفواخير، مؤكداً أنه يعمل فى الفخار منذ أن كان العمل والتركيز على القلل والأزيار للشرب والأوانى فقط حتى تطورت الصنعة إلى صناعة أدوات للزينة والإضاءة ومستلزمات البيوت العصرية، لافتاً إلى أن العاملين بالمهنة معرضون للأخطار والأمراض ورغم ذلك ليس لديهم تأمين صحى.