معاناة على رصيف باب الشعرية: طول عمرى عايش لوحدى
«فهمى» نائماً على فرشة فى شارع بباب الشعرية
كان طفلاً صغيراً ينام فى حضن أمه على رخامة مسنودة على حائط فى شارع عبدالرحيم فهمى بباب الشعرية، كان يشعر بالأمان رغم عدم وجود أى ملامح له، يعيش فى حيّز صغير غير مسقوف، تسقط أشعة الشمس على وجهه كل صباح، فتوقظه من نوم عميق، وفى الشتاء تضايقه الأمطار التى تُبلل ملابسه قبل أن تتركه وترحل، فى النهار لا يهنأ بالهدوء، وفى سكون الليل يؤنسه نباح الكلاب.
فهمى محمود، رجل خمسينى، يعمل «عتالاً»، كان يعيش مع أمه التى يستمد منها الأمان، رحلت الأم وبقى بصيص من الطمأنينة داخل نفسه، تزيد عندما تقع عيناه على برواز يحمل «المعوذتين»: «أمى كانت بتبيع خضار على أول الشارع، كبرت فى السن وماتت، لقيت نفسى فى الدنيا لوحدى، بدأت أشتغل فى نقل الحمولات على عربية بعجلتين باجرها بإيدى، وفى نهاية اليوم باربطها وأنام جنبها». لم يتزوج الرجل الخمسينى، ولم يُجرّب حياة الاستقرار يوماً فى حياته، يخرج ورقة يحفظها فى جيبه جيداً: «ده جواب استلام شقة، مقدم عليها من سنة 2008 فى المحافظة، كل ما أروح يقولوا لى هنكلمك، هنبعت لك، استنى لما تيجى لجنة تعاين، لحد ما فقدت الأمل». أهله هم جيرانه والعمال الذين يهونون عليه بالحديث معه يومياً: «هما دول أصحابى وأهلى، باطمن بوجودهم جنبى، لكنى خايف من الزمن، حتى المعاش ماليش، قالوا لى لازم سكن، اللى فى الشارع مالوش معاش، أجيب منين وصل نور وعقد شقة، أنا عايش فى الشارع، أعمل إيه؟». يشكو «فهمى» من آلام فى ظهره وبطنه: «تعبت، حتى الأكل، فيه ناس بتعطف عليا بيه ساعات، الحمد لله».