الأزمة الكبرى فى قضية المرأة والرجل بمجتمعنا المصرى -إذا كان هناك ثمة قضية يمكن توصيفها بهذا الشكل السطحى من الأساس- هم هؤلاء الذين يتصدرون لها من الطرفين، هؤلاء العدائيون جداً سواء لصالح الرجل ضد المرأة أو لصالح المرأة ضد الرجل، هؤلاء السذج الذين أفرغوا قضية مجتمعية بهذا الحجم الكبير من مضمونها وحولوها ببلاهة غير متناهية إلى جولة مصارعة رومانية حرة وسط فريفين من المشجعين المتناحرين الذين ينتظرون: مَن يغلب مَن!
فى حوار لها قبل أيام، بجريدة «المصرى اليوم»، قالت الدكتورة نوال السعداوى، الداعية للمساواة بين الجنسين جداً! والباحثة عن عالم قائم على العدل جداً! إنها «لم تجد رجلاً نداً ومساوياً لها فى هذا العالم كله»، والأخطر من ذلك قطعها بأن هذا الأمر ليس مجرد حالة شخصية، لكنه حالة عامة تخص «كل امرأة ناجحة تضطر أن تعيش وحيدة لأنها يستحيل أن تجد رجلاً كفئاً».
لا أعرف لماذا حضرت إلى ذهنى بعض فتاوى الدكتور ياسر برهامى، السلفى جداً، وأنا أقرأ فتاوى من نوع آخر للدكتورة نوال السعداوى، المستنيرة جداً. ثمة كلمات وعبارات مشابهة تتردد فى أذنى قد استخدمها الشيخ مراراً، حرفاً حرفاً، لكن من زاوية مختلفة، من زاويته هو، من زاوية رجل يرى المرأة «ليست نداً ولا كفئاً»، رجل يضمر فى نفسه عداءً شديداً للمرأة، وازدراءً فجاً لا يستحى أن يعلنه فى كل مناسبة. تداخلت عندى كلمات هذا فى كلمات هذه، تداخلت المعانى المتورّمة المصابة بعصبية فجّة عنده وعندها، انسكب ماء «برهامى» على ماء «نوال» فى كأس واحد شديد المرارة والضرر. تساءلت فى نفسى: أىُّ حماقة يرتكبها الاثنان؟!.. وأىُّ فائدة يمكن أن يحصّلها المجتمع من وراء هذه العدائية التى يغرسها كلاهما بتفانٍ وبسالة لا مثيل لها؟!.. وأىُّ آثارٍ سلبية ستحدثها هذه المخلفات المسموعة أو المقروءة فى نفوس فريق من الأتباع والمحبين هنا وفريق من الأتباع والمحبين هناك؟!
ما أفهمه، وأنا لم أحصّل شهادة دكتوراه بعد مثل شهادتَى «نوال» و«برهامى»، ولم يحالفنى الحظ أن أحاضر فى جامعة أو ألقى خطبة من فوق منبر، أن قضية المرأة والرجل يجب التعامل معها من منظور إنسانى أولاً ومجتمعى ثانياً وأخلاقى رابعاً وخامساً وعاشراً. منظور عقلانى يحترم التنوع ويقدر الاختلافات ويقيِّم الإنسان بما يمثله من إضافة وليس ما يمثله من هرمونات أنوثة أو ذكورة. وما أفهمه أيضاً، وأنا فى عمر أحفادهما، أن الحياة عموماً يجب أن تقوم على «التكامل» وليس على إثبات «التفوق النوعى» على الغير، وهى فكرة قديمة فى غاية الرجعية إذا تحدثنا من زاوية العقل، وفى غاية التطرف إذا تحدثنا من زاوية الدين.
الحقيقة أنه لا عقل ولا دين، فى كل ما تقوله «نوال» ومن معها من مهاويس «الفيمنست»، أو «برهامى» ومن معه من دراويش «السلفية»، والحقيقة الأكبر أن كليهما جزء رئيسى من الأزمة يضر بأكثر مما ينفع، وهما -على عكس ما يبدو- ليسا ضدين أبداً، بل طرف واحد فى مواجهة طرف آخر.. فى مواجهة هؤلاء الذين يريدون مجتمعاً قائماً على السلم لا الصراع، على الشراكة لا الندية، على التكامل لا المُعايرة البائسة بمَن أفضل مِن مَن.