يوم الأحد الموافق الثامن من مايو الحالى، كان العالم على موعد مع الجولة الثانية أو جولة الإعادة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية، التى انتهت بفوز الشاب إيمانويل ماكرون ذى التسعة والثلاثين عاماً، منتزعاً بذلك لقب أصغر رئيس فرنسى عبر التاريخ من لويس نابليون بونابرت الذى صار فى العاشر من ديسمبر سنة 1848م أول رئيس منتخب للجمهورية الفرنسية فى عمر ناهز الأربعين عاماً وثمانية أشهر. وبمجرد فوز «ماكرون» بالرئاسة، سارع رواد مواقع التواصل الاجتماعى فى مصر إلى إبراز المفارقة بين فوز شاب برئاسة فرنسا وبين رئاسة لجنة الشباب بمجلس النواب المصرى التى يتولاها رئيس نادى سموحة السكندرى ورجل الأعمال فرج عامر، والذى يبلغ من العمر 66 عاماً. ورداً على هذا الحفاوة البالغة التى أبداها الشباب المصرى بالرئيس الفرنسى الشاب، ارتأى بعض مرتادى الفيس بوك التذكير بأن الزعيم المصرى الراحل جمال عبدالناصر كان رئيساً للجمهورية فى عمر الرابعة والثلاثين عاماً. بل إن البعض قد ذهب إلى أبعد من ذلك، بحيث استدعى إلى الأذهان واقعة تولى الفرعون الشاب توت عنخ آمون السلطة فى مصر، فى التاسعة من عمره، واستمر فيها لمدة عشر سنوات، عندما مات فى سن التاسعة عشرة. ومع ذلك، ورغم أنه تولى الحكم طفلاً، ومات فى مقتبل العمر، إلا أنه يعد من أشهر الفراعنة عبر العصور.
وإذا كان التاريخ المصرى القديم والمعاصر يزخر ببعض نماذج تمكين الشباب من أعلى مواقع السلطة فى بلادنا، فإن ذلك لا ينبغى أن يخفى حقيقة أن العقل الجمعى العربى لا يميل إلى فكرة إسناد المسئولية إلى الشباب، مفضلاً عليهم من هم أكبر سناً، عملاً بالمثل الشعبى: (أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة). وبحسبان أن القانون هو من وسائل تطوير المجتمعات، نرى من الملائم توفير البيئة التشريعية الداعمة لتمكين الشباب وضمان حقهم فى تولى وظائف الإدارة العليا فى الدولة. إذ تنص المادة 82 من الدستور على أن «تكفل الدولة رعاية الشباب والنشء، وتعمل على اكتشاف مواهبهم، وتنمية قدراتهم الثقافية والعلمية والنفسية والبدنية والإبداعية، وتشجيعهم على العمل الجماعى والتطوعى، وتمكينهم من المشاركة فى الحياة العامة». ولا جدال فى أن صياغة هذه المادة تفوق صياغة المادة العاشرة من دستور 1971م، التى كانت تنص على أن «تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة، وترعى النشء والشباب، وتوفر الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم». ووجه الأفضلية أن الدستور الجديد أفرد مادة مستقلة لرعاية النشء والشباب، فلم يجمع بين «حماية الأمومة والطفولة» كما كان الوضع فى ظل دستور 1971م. كذلك، تجدر الإشارة إلى أن الدستور الجديد استخدم -ولأول مرة- عبارة «تمكين الشباب من المشاركة فى الحياة العامة».
ومع ذلك، ثمة بعض القيود الدستورية والقانونية التى تقف حائلاً دون تمكين الشباب، ونعنى بذلك النصوص التى تضع حداً أدنى لسن شاغلى الوظائف والمناصب العليا فى الدولة، يستوى فى ذلك تلك التى يتم شغلها بالانتخاب أو بالتعيين. بيان ذلك أن المادة 102 من الدستور تحدد شروط الترشيح لعضوية مجلس النواب، بحيث تتطلب «ألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن خمس وعشرين سنة ميلادية». وكنا نتمنى أن يكتفى المشرع الدستورى باشتراط بلوغ سن الرشد فى المرشح لعضوية البرلمان. وفيما يتعلق برئاسة الجمهورية، ووفقاً للمادة 141 من الدستور، يشترط فيمن يترشح للمنصب «ألا تقل سنه يوم فتح باب الترشح عن أربعين سنة ميلادية». وربما يكون من المناسب تخفيض شرط السن إلى ثلاثين عاماً فقط، لاسيما أن الدستور الفرنسى يجيز الترشح لمن تبلغ سنه 23 عاماً فقط. من ناحية أخرى، تكفل بعض القوانين بقاء من تجاوزوا الستين عاماً فى وظائف الخبراء والمستشارين بالجهات الحكومية، بينما يقف الشباب فى صفوف العاطلين عن العمل.
وفى الختام، نتمنى أن يبادر مجلس النواب إلى إصدار تشريع يكفل بشكل حقيقى وجاد تمكين الشباب.