أتابع كغيرى من المصريين جدلية إصدار قانون السلطة القضائية الأخير الذى حمل رقم 13 لسنة 2017، وتلك الأزمة التى أشعلت الخلاف بعد منح القانون لرئيس الجمهورية حق تعيين القضاة من بين ثلاثة أسماء يتم اختيارهم من بين أقدم سبعة أسماء ترسلها الهيئات القضائية. بعد أن كان القانون القديم ينص على تعيين الرئيس لمن يرشحه القضاة. وهو ما اعتبره البعض تغولاً على استقلالية القضاء واختيار رؤساء هيئاته من قبل السلطة التنفيذية، ليعود الحديث عن مواقف بين القضاء والدولة على مر سنوات عديدة مضت، لعل أشهرها ما عرف باسم مذبحة القضاء عام 1969، حينما أصدر القضاة بيانهم فى شهر مارس، خارجين عن عرفهم القاضى بالفصل بين عملهم والسياسة، وهو ما شق صفهم لفريقين بين مؤيد ومعارض، تبعه إصدار الرئيس عبدالناصر لقانون إصلاح القضاء فى أغسطس 1969 بإعادة تشكيل الهيئات القضائية، وخروج 200 قاضٍ من عملهم. ولأننى كغيرى من كثير من المصريين أرى فى القضاء قامة وفى الحفاظ على مؤسسات الدولة وتطوير عملها غاية، دعونا نفكر فى القضية بصوت المنطق، فلا خلاف على أن مصلحة الوطن مع استقلال قضائه، ولكن كلنا يعلم أن حال مؤسسة القضاء فى بلادى كحال غيرها من مؤسسات أخرى أصابها مسخ التعليم وتراجع مبادئ وقيم أصابت الكل عبر السنوات الماضية، نعم، فالإنسان فى مؤسسة القضاء هو الإنسان فى بقية المؤسسات الأخرى فى بلادى بات بحاجة للإصلاح عبر ثورة تعليمية وقيمية وعلمية باتت مطلباً قومياً، حفاظاً على هوية وطن وبقائه. وهو ما غفل عنه القضاة قبل الدولة بتمسكهم بكلمة استقلالية فقط، وكأنها ميزة أو غاية فى حد ذاتها، بينما عدالة التطبيق هى المقصد، فشاهدنا جميعاً اعتلاء منصات القضاء من قبل من لا كفاءة لهم وشاهدنا أسلوب تعيين أبناء القضاة بغض النظر عن أحقيتهم، وشاهدنا فساد البعض منهم. نعم سمع القضاة أصوات المصريين تطالبهم منذ سنوات طويلة بحاجتنا لتطوير المنظومة القضائية شكلاً ومضموناً ولكنهم لم يحركوا ساكناً حتى فى لحظات أزمة فارقة مرت بوطننا. رفضت كلمة «تطهير» التى أطلقها الإخوان ورتبت لإخراج 3000 قاض من المعارضين لهم من النظام القضائى وقلت إن الكلمة تحمل معانى الإقصاء بالهوى لا بالمهنية، فما نحتاجه هو التطوير لا التطهير.
جاء قانون 13 لسنة 2017 ومنح الرئيس اختيار قاض من بين ثلاثة مرشحين يتم اختيارهم من بين أقدم سبعة أعضاء من قبل كل هيئة قضائية منحها القانون الاختيار الأول لتلك الأسماء الثلاثة. وهو ما لا أراه أزمة إجبار، كما ادعى البعض أو تدخلاً فى الشأن القضائى كما ادعى آخرون وصوروا للناس أن الدولة تفعل ذلك لاستبعاد أسماء بعينها من رئاسة الهيئات القضائية. ولكن الأزمة الحقيقية فى رؤيتى المتواضعة أن القانون يا سادة لم يتطرق إلى ما حلمنا به من تطوير للقضاء وساحاته وغابت عن فكر القضاة أنفسهم، وغاب عن مجلس نواب ناقش القانون وأقره الرئيس. نعم، غاب عن القانون مواد تطوير العمل القضائى بدءاً من معايير اختيار القضاة واختصار الإجراءات المملة والقاتلة لمفهوم العدالة، وتطوير أداء القضاة فى عملهم وتدريبهم وتطوير أماكن التقاضى وتزويدها بمنظومة إلكترونية، وفريق عمل بشرى لإصلاح عطب الأوراق الكثيرة المبعثرة للحقوق لا الحافظة لها. غاب عن القانون كل هذا، فبات بحاجة لإعادة قراءة وتصحيح ليدرك الجميع أن المسئولية تقتضى استقلال العدالة ونشرها لا لمنح القضاة ميزات تفرق بينهم وبين غيرهم من المواطنين فى وطن يتعامل فيه الجميع -بمن فيهم القضاة- بمنطق التميز فى الحقوق من دون الواجبات، فبات التمييز والاستقلال غاية لأصحاب كل مهنة، كما أن اختيار من يرأسهم من قبل الدولة ليس مقصداً فى حد ذاته إن سعينا للتطوير، فهل لنا من كلمة سواء.