تجاوز الشيخ سالم عبدالجليل فى حق المواطنين المسيحيين المصريين، عندما كفّرهم واتهم ديانتهم بالفساد. وترتب على ذلك موقف واضح ومباشر للأزهر الشريف من خلال بيان مجمع البحوث الإسلامية، وأيضاً ما فعلته وزارة الأوقاف من إجراءات إدارية وقانونية مع الشيخ سالم عبدالجليل والشيخ عبدالله رشدى. كما قام فيما بعد د. أحمد الطيب (شيخ الأزهر الشريف) بتشكيل لجنة قانونية لإعداد قانون تجريم الحض على الكراهية.
وبعد أن هدأت الأزمة.. خاصة بعد تقديم بلاغات ضد الشيخ سالم عبدالجليل للنيابة العامة، وجدنا تصريحات للقمص مكارى يونان معقباً فيها على تصريحات الشيخ سالم السابقة. وجاء هذا التعقيب إعادة إنتاج لتصريحات سابقة للأنبا بيشوى (سكرتير المجمع المقدس حينذاك) عندما قال إن المسلمين ضيوف على مصر.
تصريحات الشيخ سالم عبدالجليل يعاقب عليها القانون بسبب كونها تمثل ازدراءً واضحاً للمواطنين المسيحيين المصريين. أما تصريحات القمص مكارى يونان فهى لا تكفر أو تزدرى الدين الإسلامى. ولكنها آراء شخصية فجة تجاوزت السياق الاجتماعى والثقافى والحضارى للمواطنين المصريين (المسيحيين والمسلمين) لقرون طويلة.. ومن الطبيعى أن يستقبلها البعض باعتبارها هجوماً على المواطنين المسلمين المصريين، ولذا تتسبب فى أزمات وتوترات مجتمعية.. وهو ما جعل البعض يسارع بتقديم بلاغ ضد القمص مكارى يونان باعتبارها ضد الإسلام والمسلمين.
ترى، هل ستتخذ تصريحات القمص مكارى يونان لتكون (كفة) الميزان المقابلة لتصريحات الشيخ سالم عبدالجليل لينتهى الأمر.. وكأن شيئاً لم يحدث؟!. ويدفع المجتمع عواقب تلك التصريحات فى العلاقات اليومية بين أبناء الوطن الواحد.
شكراً للشيخ سالم عبدالجليل بتصريحاته الطائفية، وشكراً للقمص مكارى يونان بتصريحاته وآرائه التى تعتبر خارج سياق التاريخ الإنسانى المصرى. ما سبق، وضع السلطة القضائية فى مأزق مراعاة رد الفعل الاجتماعى فى محاكمة شيخ أزهرى تولى وكالة وزارة الأوقاف سابقاً، ومحاكمة رجل دين مسيحى يتمتع بشهرة وتقدير واسعين بين المواطنين المسيحيين المصريين.
كان من الأفضل عدم تورط رجال الدين من الأصل فى مثل هذا السجال، وكان من الأولى أن ينتظر القمص مكارى يونان حكم القضاء فى موقف الشيخ سالم عبدالجليل.
ما نحتاجه الآن هو قرار واضح وحاسم من المؤسسة الدينية الرسمية فى مصر تجاه رجالها الذين يتورطون سواء بحسن نية أو غير ذلك فى تأجيج المناخ الطائفى فى مصر. فهل استفادت المؤسسة الدينية الإسلامية من تكفير المواطنين المسيحيين المصريين؟.. وهل استفادت المؤسسة الدينية المسيحية من وصف المواطنين المسلمين المصريين بكونهم ضيوفاً على مصر؟.. وما النتيجة المطلوب أن يصل إليها المجتمع المصرى فى الحالتين؟.. هل نهدر دماء المواطنين المسيحيين المصريين أم نرحّل المواطنين المسلمين المصريين خارج وطنهم؟
ليست المشكلة فى التصريحات المتسرعة أو التعقيبات المنفعلة.. فكلاهما غير محسوب العواقب. وأصبحت الأزمة تدار الآن بمنطق المساواة فى الفعل ورد الفعل.. لوأدها ودفنها والتكتم عليها.
نقطة ومن أول السطر:
رجال الدين فى مصر ليس على رأسهم (ريشة).. ما دامت تصريحاتهم تسبب أزمات طائفية وتوترات مجتمعية.. لأن مسئولياتهم الوطنية تتجاوز حدودهم الشخصية للتأثير فى المجتمع كله.