«ليس بينى وبينكم إلا إحدى ثلاث خصال، إمّا أن دخلتم فى الإسلام فكنتم إخواننا، وكان لكم ما لنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يدٍ وأنتم سالمون، وإما أن جاهدناكم بالصبر والقتال، حتى يحكم الله بيننا وهو أحكم الحاكمين».
كانت هذه رسالة عمرو بن العاص رضى الله عنه إلى المقوقس حاكم مصر وهو على أبواب حصن بابليون.. لم يكن المصريون فى رضا عن حكم الفرس الذين دخلوا مصر بعد انهيار إمبراطورية بيزنطة الشرقية التى تتبعها مصر.. فقد خرجوا من أربعة قرون تحت حكم الرومان إلى حكم أشد قسوة وتعسفاً هو حكم الفرس!
لقد جسد عمرو بن العاص سماحة الإسلام فى رسالته.. وحرصه على السلام قبل الحرب.. ولكن للأسف كان أن اشترط المقوقس موافقة الإمبراطور البيزنطى على الصلح.. الأمر الذى رفضه الإمبراطور.. فهاجم المسلمون الحصن بالمجانيق، واستطاع الزبير بن العوام رضى الله عنه أن يدخل الحصن ببسالة فائقة منه، وتبعه المسلمون عام 641م، فاضطر المقوقس إلى عقد معاهدة مع عمرو بن العاص رضى الله عنه، وبمقتضى هذه المعاهدة دخل كثير من المصريين فى دين الله، ومن بقى منهم على دينه كان يدفع الجزية التى أقرها الصلح.
كان من الممكن لعمرو أن يرفض الصلح؛ لأنَّ المسلمين قد دخلوا الحصن عَنْوة، ومن ثَمَّ فأرض مصر من حق المسلمين الفاتحين، ولكنه وافق حقناً لدماء المصريين الذين رأوا فيه سماحة الإسلام الحقة.. وكان أن دخل كثير من المصريين فى الإسلام بعد هذا الموقف!
كان هدف عمرو بن العاص رضى الله عنه أن يقدم الإسلام إلى المصريين برفق لا بشدة.. وأن يجعل مصر لأهلها كما كانت.. فكان حين دخل إلى مصر.. ترامى إلى مسامعه أخبار عن بنيامين بطريرك الكنيسة القبطية، الذى كان قد فرَّ خارج مصر هرباً من الروم لبغضهم مذهبه، وبطشهم به وبسائر المسيحيين فى أنحاء مصر كلها، فأرسل إليه رسالة تحمل أماناً أن يعود وقتما شاء.. فلبى القس بنيامين الدعوة.. وعاد بعد غيبة طويلة إلى كرسيه فى الإسكندرية.. لم يكتف عمرو بن العاص بذلك.. فقد استقبله شخصياً.. وبالغ فى الحفاوة به، ومنحه الحرية ليشرف على كل الكنائس فى مصر، حتى تمكن فى ولاية عمرو بن العاص رضى الله عنه من إعادة بناء الكنائس التى خرَّبها الفرس أثناء احتلالهم لمصر كلها تقريباً.
إنه الإسلام الذى قدمه الفاتحون الأوائل إلى المصريين.. والذى تعرف عليه المصريون فى سماحة عمرو بن العاص.. وحمايته لبطريرك الإسكندرية.
وللحديث بقية ما دام فى العمر بقية..!