«آمنة»: فطارنا كان على «طبليات» فى الشوارع
الجدة آمنة
لم تفارق الحاجة آمنة عبدالجليل، ذات الـ90 عاماً، «فرشة» الخضار الخاصة بها فى سوق بورسعيد بالإسماعيلية لأكثر من 70 عاماً، بينما ما زالت ذاكرتها تحفظ عشرات «الحكاوى» عن مصر والعالم والزمن، عن السوق والشارع والناس، عن رمضان والأسعار وعن العيلة وفرحة اللمة، تتذكر «آمنة» تلك التفاصيل وكأنها حدثت بالأمس، ترتسم على شفتيها ابتسامة وهى تلقى بعينيها بعيداً بامتداد الشارع أمامها وكأنها ترسم بهما لوحة حية لزمن مضى.
«لم يكن الصغير فى زمننا يوقر الكبير فقط، بل إن الطفل الأكبر فى العائلة أو القرية له حق التوقير أيضاً من بقية الأطفال، وأنا كنت أكبر بنات قريتى (الضبعية) الواقعة بمحافظة الإسماعيلية، وهذا كان يعطينى بعض الميزات فى شهر رمضان إضافة إلى احترام بقية الأطفال لى بقية شهور العام، فكنت على سبيل المثال أحصل على أكبر فانوس فى رمضان، بينما يحصل الأطفال الصغار فى القرية على فوانيس أقل حجماً، وكنت أيضاً المسئولة الأولى والأخيرة عن جمع التبرعات أو العطايا من المنازل فى حارات قريتنا، ولا أتذكر يوماً أن رفض أحدهم أن يسهم إما بمليم أو صاغ أو قرش أو حتى بعض البلحات» هكذا تروى الحاجة «آمنة» الأجواء الرمضانية التى عاشت فيها طفولتها. وعن ذكريات أول أيام رمضان، قالت «كنا نجتمع ونذهب لنصلى التراويح فى المسجد، وكان الأهالى البسطاء يقدمون الملايات والمفارش إلى المساجد، حتى تستوعب الأعداد الكبيرة للمصلين، وعندما كان يأتى رمضان فى فصل الشتاء، فهذا يعنى أنه من الواجب على كل بيت أن يرسل طبق خضراوات إلى البيت المجاور، أما رمضان فى الصيف فكان له مذاق خاص، حيث يُخرج الأهالى طاولات الأكل الصغيرة (الطبليات)، ويملأون بها الحارات استعداداً لتناول الإفطار مع بعضهم البعض، وبعد الانتهاء من تناول الطعام يصلون المغرب والعشاء معاً»، تقول ذلك ثم تتمتم «كان زمن ود وحب وتراحم، كان زمن أهل الخير».