نادر فرجانى لـ«الوطن» : «الإخوان» وعدوا أمريكا بمنع أى استفتاء شعبى على إلغاء كامب ديفيد
لأنه من القلائل الذين وضعوا مشارط أفكارهم على جسد الحالة السياسية المصرية، بدقة بالغة من قبل سقوط النظام بسنوات، يصبح الاستماع إلى رؤيته فى تلك الحالة مع بدايات تكون نظام جديد، فرض عين. يفاجئنا الدكتور نادر فرجانى خبير التنمية الإنسانية، فى حواره لـ«الوطن» بأن نوعا من التوافق بين المؤسسة العسكرية والتيار الإسلامى السياسى على إدارة المرحلة التالية، قد تم بالفعل، مطالبا الحركة الوطنية بممارسة الضغط على كل الأطراف المهيمنة على الساحة السياسية لضمان فعل أقصى ما يمكن لحماية الثورة الشعبية، وضمان تحقيق أهدافها. فى حين بدا غير مطمئن على مستقبل مصر، ومتوجسا من عجز رئيسها الجديد عن الخروج من عباءته الإخوانية، مشيرا إلى أنه من الأفضل أن نحافظ على علاقة جيدة بالدولتين الوحيدتين الصاعدتين فى المنطقة: إيران وتركيا.
* ما قراءتك للخطاب الأول للرئيس المنتخب؟
- بداية، الاحتفاء برئيس مدنى منتخب لأول مرة فى مصر له مبرره، لكن هناك فترة ترقب، سيعطى خلالها الفرصة، لنرى إن كان سيفى بوعوده فى الفترة الانتخابية أم لا.
* من الذين يترقبون الرئيس الجديد؟
- كل الحريصين على انتصار الثورة الشعبية العظيمة، عليهم أن يتابعوا بدقة ويشكلوا نوعا من الحافز الوطنى، لأن يبر بوعوده خلال الفترة الانتخابية، على محورين أساسيين: انتصار الثورة الشعبية العظيمة فى تحقيق غاياتها، وأهمها الحرية المبنية على ديمقراطية المواطنة المتساوية الشاملة للجميع، لاسيما النساء والأقباط، لأنهما يمثلان نقطة احتكاك مهمة، مع الإطار الفكرى الذى يأتى منه الرئيس المنتخب. ولا بد من تذكير الرئيس طول الوقت، بأنه انتخب بربع أصوات المصريين، الذين لهم حق التصويت، وأن جزءا كبيرا من الأصوات، انتخبه كرها فى منافسه، وليس حبا فيه.
* ما أبرز ما لفت نظرك فى الكلمة الأولى للرئيس؟
- الحرص الشديد والعموميات التى لا تكفى للحكم. نريد أن نرى الأفعال قبل الخطابات المنمقة.
* هل ترى أن حرصه كان عاما أم تجاه فئة بعينها؟
- حرص على ألا يشعل معارك، قبل أن يكون قادرا على مواجهتها، ليعطى لنفسه فرصة للتفكير والتدبير، وهو أمر معقول.
* هل تتوقع أن تأتيه المشاكل من مؤسسة الرئاسة ذاتها؟
- أرى أن المشاكل تأتى من السياق المحيط بمؤسسة الرئاسة، أكثر من المؤسسة ذاتها.
* هل لك أن تفسر أكثر؟
- كانت هناك محاولة من المجلس العسكرى، لتكبيل الرئيس القادم، وغل يديه بأكثر من طريقة، وعليه أن يجد طريقة للخروج من هذا المأزق، حتى يحقق وعوده الانتخابية بفاعلية، دون أن يؤدى إلى صدام.
* ما أطراف الصدام الذى تتحدث عنه؟
- الصدام لن يكون بين الرئيس والمجلس العسكرى، وإنما بين تيار الإسلام السياسى والمؤسسة العسكرية.
* وكيف الخروج من هذا المأزق؟
- للأسف، دائما ما تواجهنا مشكلة، أن ما يجرى فى الساحة السياسية المصرية، يجرى فى ظل حالة من التعتيم، وغالبا فى شكل صفقات من وراء أبواب مغلقة، وأنا على يقين تقريبا أنه قد تم فعلا نوع من التوافق بين المؤسسة العسكرية وتيار الإسلامى السياسى، حول كيفية إدارة المرحلة التالية.[Quote_2]
* ما دور الحركة الوطنية إذن؟
- دور هذه الحركة الآن، الضغط على كل الأطراف المهيمنة على الساحة السياسية، لضمان أن يفعلوا جميعا أقصى ما يمكنهم لحماية الثورة الشعبية، وضمان تحقيق أهدافها، ومن ثم فإن نصح أى من الأطراف الفاعلة فى الساحة، ربما كان غير مجدٍ، والمهم الضغط عليهم، بكافة الطرق والأشكال السلمية، لضمان وفائهم بتعهدات حماية الثورة وتحقيق أهدافها.
* وهل ترى فى هذا الطريق مخرجا للرئيس من المأزق؟
- لا، فلن يخرج من المأزق، لأنه وضع نفسه فيه، وأتمنى عن خبرة ورغبة، أن يحقق وعوده التى قطعها على نفسه أثناء الحملة الانتخابية، ولن يخرج منه، كان الله فى عونه.
* تعنى أن الرئيس وضع نفسه فى المأزق أم أنها الظروف التى تمر بالبلاد؟
- لا أريد أن أقول ظروف البلد، وإنما ظروف اختطاف الثورة، لحماية مصالح معينة، وإذا قلنا إن تحالف اختطاف الثورة يضم قيادة المؤسسة العسكرية، أى المجلس العسكرى وتيار الإسلامى السياسى، وعلى رأسه جماعة الإخوان، فإنه يصبح مساهما، ولكن ربما ليس عن اختيار مطلق، لأنه فى النهاية لم يرشح نفسه لرئاسة الجمهورية، وإنما رشحه ذلك التيار ممثلا فى الإخوان المسلمين، وأكاد أجزم أنه لم يكن له يد فى قرار ترشيحه، كما نعلم جميعا أن الترشح جاء بعد ضياع فرصة خيرت الشاطر المرشح الأول، والرجل القوى فى الجماعة، ومن غرائب الصدف، أنه أصبح الأول لدى الشعب المصرى، ليس بالضرورة حبا فيه، ولا فى التيار الذى يمثله.
* عاب كثيرون على الرئيس البساطة الغالبة على خطابه، ما تعليقك؟
- لا أرى عيبا فى هذا، لأن الرجل يخاطب الجمهور، الذى يعتقد أنه انتخبه، باللغة التى يتقبلها، وهو أمر مستحب، لأنه يعبر فى تقديرى، عن أن الرئيس المنتخب يريد أن ينشئ صلة مع عامة الشعب، ونتمنى أن يحرص على مساءلة الجماهير له، ليس فقط بأن يفصح أمامهم عن أمور الحكم وتطوراته، وإنما بأن يشعر بالمسئولية تجاههم، ولا يكتفى بخطب ودهم فقط.
* بدا أنه تعمد توجيه خطاب حميمى، هل تراه كذلك؟
- أعتقد أن هذه شخصية الرجل، فهو من جموع الشعب، ليس أرستقراطيا من وجهة نظرى، لا اجتماعيا ولا مؤسسيا، بالانتماء للمؤسسة العسكرية مثلا، وقال عن نفسه إنه فلاح، فالأصول الفلاحية واضحة لديه، وأعتقد أن هذا جانب يجب أن نحتفى به، باعتباره يمثل عامة الشعب، ويحاول إنشاء علاقة حميمية مع جمهوره الذى انتخبه، ونتمنى أن يتأكد هذا بأفعال ونتائج ملموسة، تنتهى بالأهداف التى أشرت إليها مسبقا.
* بعض مناصريه يرون فوز «مرسى» بالرئاسة انتصارا للثورة.. هل ترى ذلك معهم؟
- لا، إنه بالتأكيد انتصار للقدرة التنظيمية والتمويلية لتيار الإخوان المسلمين، وقدرته على المناورة والتفاوض مع القوى الأخرى، أى المؤسسة العسكرية.
* هناك مخاوف من أن انتخاب رئيس جديد إعلان لنهاية الثورة؟
- الثورة لا تزال كامنة، وإذا مرت الشهور الـ 6 المقبلة، ولم تحرز الدولة الجديدة نجاحا فى الاختبارين، اللذين أشرت إليهما مسبقا، ولم تحدث بدايات جادة لتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، لا أستبعد احتمال حدوث موجات تالية من الثورة الشعبية، والأمر بسيط، فالانتفاضات الشعبية لا تندلع من الفراغ، وإنما لمبررات ومسببات موضوعية، أهمها تزاوج الفقر والقهر، وهما سبب الموجة الأولى من الثورة، لأن الفقر والقهر تراكما وتصاعدا إلى درجة لم يعد بالإمكان للشعب احتمالها. كما أن الظروف الموضوعية التى أنتجت الموجة الأولى، متوافرة الآن بل أشد مما سبق، فالفقر أشد مما كان فى نهايات عصر مبارك، وكذلك الظلم الاجتماعى بمعنى التفاوت فى الثروة والدخل، وتقييد الحريات فى الجوهر أيضا أشد مما كان فى عصر مبارك، وإذا لم تنجح الدولة الجديدة فى هذا التحالف المتوتر بين الإسلام السياسى ممثلا فى مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية خلال الـ 6 أشهر المقبلة التى قد تمتد إلى أكثر من سنة، فى كسر موجة الفقر والقهر، فهناك مقدمات قوية لموجات تالية من الثورة الشعبية، ببساطة لأن شرارتها قائمة.[Quote_1]
* ما أهم المعوقات التى تواجه الرئيس برأيك؟
- رغبة المؤسسة العسكرية ممثلة فى قيادات المجلس العسكرى، فى تقييد حركة الرئيس، باعتباره رأس السلطة التنفيذية، وأهم ملمح لذلك الإعلان الدستورى المكمل، الذى أصدره المجلس العسكرى، وفى رأيى فإنه فاقد للمشروعية الدستورية، فلم يكن من حق المجلس، إصدار الإعلان، وليس له مشروعية تلزم أحدا بمن فيهم الرئيس المنتخب، إلا إذا جرى عليه استفتاء وقبله الشعب، فالإعلانات الدستورية التى يصدرها المجلس العسكرى لا قيمة دستورية لها، ولا تشريعية إلا بموافقة الشعب، التى لم تتحقق حتى الآن، أى أنه صدر بالقوة الجبرية، ليتيح المشروعية الوحيدة للمجلس العسكرى، وهى مشروعية ضعيفة.
* رفض الإعلان المكمل والهتاف بسقوط العسكر الذى تزامن مع احتفال ميدان التحرير بفوز مرسى.. ماذا يعنى؟
- الفطنة الشعبية التلقائية تفهم أن الإعلان وضع قبل أيام من نتيجة انتخابات الرئاسة، ليقيد الرئيس القادم، ويعطى الأولوية للمجلس العسكرى، فضلا عن ادعاء مؤيدى المؤسسة العسكرية، أنه لترسيخ الدولة المدنية زائف، لأن الهدف إقامة دولة «نقيض» للدولة المدنية، تسيطر عليها الأرستقراطية العسكرية.[Quote_3]
* وما المخرج من هذه الورطة؟
- بعض فقهاء القانون الدستورى يرون أنه من حق الرئيس إلغاء قرارات المجلس العسكرى، بما فيها الإعلانات الدستورية، فإذا استقر هذا الأمر، سيكون مدخلا واسعا لكى يطلق يده لتحقيق وعوده الانتخابية.
* لم يعلن الرئيس فى خطابه موقفه من جماعة الإخوان. ما تفسيرك؟
- حقيقة الأمر، أن مرشد الإخوان حرم الرئيس المنتخب، من أن يعلن استقالته من الجماعة وحزبها «الحرية والعدالة»، واستبقه وأحله من الوفاء ببيعة الولاء للمرشد، وهذه بادرة سوء، إذ كان الأفضل لصناعة شخص رئيس قادر على أن يفى بوعوده، أن يعلن استقالته بنفسه فور إعلانه رئيسا، حتى يكون رئيسا لجميع المصريين بحق. لكن هذا لم يحدث، وعلى الرئيس أن يجد طريقة للتغلب على هذه المسألة، من ضمن القيود التى تحيط به، فلن يستطيع شخص قضى عمره داخل جماعة الإخوان، أن ينزع عنه جلده الإخوانى ولو شاء، ما يعيقه على المستويين النفسى والداخلى، إلى جانب السياق السياسى المحيط به، وسنرى كيف يستطيع الرجل التعامل مع هذه القضية الشائكة، التى تقتضى التعامل مع أبعاد نفسية وشخصية، وليست سياسية فقط.
* لم تجاهل الرئيس حسم قضية أدائه اليمين الدستورية فى الخطاب؟
- أنا شخصيا وبلا جدال، أفضل أن يقسم اليمين، أمام كيان له طابع شعبى وليس إداريا، فلا يجوز أن يقسم رئيس الدولة اليمين أمام موظفين، وإن كانوا قضاة، يعينهم ويستطيع أن يعفيهم.
* تقصد بهذا الكيان ميدان التحرير؟
- طبعا، يمكنه أن يؤدى أكثر من يمين، ومن المؤكد أن التحرير مكان مناسب تماما، مع عدم استبعاد أى جهة أخرى، تقتضيها المواءمات السياسية، التى ستكون كثيرة فى الفترة المقبلة، لأنه وكما قلت، فإن الرئيس محمد مرسى ليس طليق اليد تماما، وأمامه عوائق وقيود على المستويين الشخصى والسياسى، ويجب علينا أن نأخذها كلها فى الاعتبار.
* الصلاحيات المطلقة لرئيس منتخب، ألا تعد معيارا للحكم عليه؟
- هذا معيار هام لنجاحه فى تحقيق غايات الثورة، إذا أسهم فى التقليل من سلطاته، فنحن نعيش نظاما رئاسيا يمنح سلطات شبه مطلقة للرئيس، نتمنى أن تقلص فى الدستور الجديد، فكل الأدوات القانونية المتاحة، من إعلانات دستورية ودستور71، تجعل الرئيس يعين ويعفى نوابه ورئيس الحكومة والوزراء، وهى أمور غير مناسبة فى نظام حكم ديمقراطى سليم.
* أيهما أكثر فائدة: انتخاب نائب الرئيس أم تعيينه؟
- يجب أن ينتخب، وألا يكون للرئيس الحق فى إعفائه، وأحد معايير الحكم على مدى وفاء مرسى بعهوده الانتخابية، سيتحقق إذا تمكنت الجمعية التأسيسية للدستور، من حرمان الرئيس من هذا الحق، واعتراض الرئيس سيكون بادرة سوء.
* ألا تشعر بالاطمئنان على مستقبل مصر بعد انتخاب الرئيس؟
- لا، لست مطمئنا حتى الآن، وأخشى أنه ما زال هناك احتمال لصراع بين القوتين الأكبر على الساحة السياسية: المؤسسة العسكرية وتيار الإسلام السياسى، على أيهما تتحكم فعلا فى مقادير الوطن، الأمر متفجر ومتغير بسرعة شديدة جدا.
* ما توقعاتك لنصيب الإسلاميين فى حال انتخابات برلمانية جديدة؟
- إذا جرت انتخابات لمجلس الشعب قريبا، أشك أن يحقق التيار الإسلامى نفس الفوز الكاسح فى المرة السابقة، لكن فى حال حصل على الأغلبية، ستكون لدينا مشكلة، لأنها ستكون مبررا من وجهة نظر المؤسسة العسكرية، لبث القلق ومنع سيطرة تيار سياسى واحد على السلطة التشريعية والتنفيذية فى ذات الوقت، وهنا أعتقد أن مسألة عدم الجمع بين السلطتين، فى تيار سياسى واحد مشروع، ولكن إصرار المجلس العسكرى عليه فى الإعلان المكمل حق يراد به باطل، ويجب ألا ننسى أن المجلس اقتنص السلطتين، منذ تنحى الرئيس المخلوع، ولم يجد غضاضة فى أن يمارس السلطتين معا، ويحتفظ بهما، فلديه السلطة التشريعية فى غياب مجلس الشعب طبقا للإعلان الدستورى المكمل وأيضا لديه التحكم فى الموازنة العامة، وهى أهم عنصر من عناصر السلطة التنفيذية، وفى المطلق الديمقراطى السليم، لا يجب الجمع بين السلطتين، لكن يجب على المجلس العسكرى، أن يتعفف عن هذا، إن كان يؤمن بالدولة المدنية حقيقة.
* برأيك، هل كان مجلس الشعب المنحل ممثلا جيدا للثورة؟
- أعتقد أن البرلمان المنحل، لم يكن برلمانا للثورة، وإنما كان معبرا عن تحالف المجلس العسكرى مع تيار الإسلام السياسى، وانتهى بالتعبير عن التيار أكثر من تعبيره عن الدولة، فأتمنى أن يجرى انتخاب مجلس الشعب بسرعة، وأن يكون أكثر تعبيرا عن القوى المناصرة للثورة.
* بعد انتهاء هذه المرحلة، هل تتأهل مصر لاسترداد دورها الريادى؟
- إذا اجتاز النظام السياسى الاختبارين: وضع دستور يضمن الحياة الديمقراطية السليمة، وانتخاب مجلس شعب يعبر تعبيرا أفضل عن الحس الوطنى العام، فستكون هناك فرصة لإقامة مؤسسات دولة تشمل السلطات التنفيذية والقضائية والتشريعية. والقضاء كمؤسسة يجب أن يكون مقدسا، كأحد الأركان الأساسية لنظام حكم ديمقراطى سليم، خاصة فى منظور الاستقلال والنزاهة، لكن القاضى الفرد غير معصوم، فهو عرضة للزلل، خاصة إذا كانت السلطة التنفيذية تتحكم فى القضاء، وأحد أهم عناصر الدستور الذى يضمن حياة ديمقراطية سليمة، الاستقلال التام للقضاء الكفء النزيه.
* ما مساوئ تحكم السلطة التنفيذية فى القضاء؟
- أحد أشكال التحكم السيئ فى القضاء هو وجود وزير للعدل لديه سلطان على القضاة والقوانين أيضا، وكذلك منصب النائب العام الذى يعينه رأس السلطة التنفيذية، ومن ثم يمتنع عليه أن يحرك القضايا، التى يجب أن يحركها كضمير للشعب فى مواجهة تلك السلطة. وفى الحكم الديمقراطى السليم هناك أشكال مختلفة لضمان ألا تتحكم السلطة فى منصب النائب العام، باعتباره أحد عناصر النظام القضائى السليم، إذ يجب أن ينتخب مباشرة، كما يحدث فى بعض الأنظمة، أو يرشح من قبل مجلس القضاء الأعلى، ويخضع لموافقة مجلس الشعب باعتباره ممثل الشعب، لتكون مسئوليته أمام الشعب ونوابه. وأخيرا كان الله فى عون الرئيس، لأنه سيواجه مشاكل فى عقر داره، بدأت بأن عين المجلس العسكرى عددا من الموظفين فى ديوان الرئاسة قبل أيام من انتخاب الرئيس، ضمن محاولة لإعاقته، لكن اختيارات الرئيس لنوابه، وطريقة إدارته لمؤسسة الرئاسة الجديدة، ستقول كثيرا عما إذا كان الرجل يريد بنية ديمقراطية سليمة، تتضمن تقليص السلطات المطلقة لشخص الرئيس، وبث الروح فى البنية الأساسية للدولة كافة، أم لا.
* أكد «مرسى» الحفاظ على الاتفاقيات الدولية التى أبرمتها الدولة فى عهود سابقة، فى حين أن الإخوان كانوا من أشد المعارضين لبعضها، ألا نشهد تناقضا فى المواقف؟
- للأسف، هذا أحد أبرز أشكال تخلى تيار الإسلام السياسى، عن دوره المعارض للحكم الاستبدادى والتسلطى، بمعنى أنه سعى لطمأنة الولايات المتحدة وحليفتها الإقليمية إسرائيل، بدرجة أكبر مما يجب، وفى تقديرى أن الرئيس قدم أكثر مما يجب، وتنازل إلى حد ما عن حق الشعب الأصيل فى إعادة النظر فى هذه الاتفاقيات ومراجعتها، وليس لتيار معين وصل للحكم أن يستبعد حق الشعب فى أن يقرر، والحقيقة أن التيار الإسلامى خاصة الإخوان وصلوا إلى حد أنهم وعدوا الإدارة الأمريكية بأنهم سيمنعون إجراء استفتاء شعبى على إلغاء أو تعديل اتفاقية كامب ديفيد، حتى إن طالب الشعب بذلك، ما يعنى أنهم نصّبوا أنفسهم أوصياء على المصريين.
* ما أبرز الاتفاقيات التى يجب على الرئيس إعادة النظر فيها؟
- بالتأكيد اتفاقية كامب ديفيد، والاتفاقيات الملحقة بها مثل اتفاقية الغاز والكويز، والتهاون فى هذا تهاون فى أساسيات مبدئية لدى حركة الإسلام السياسى، ويعنى أن المواءمة السياسية طغت على أى اعتبارات.
* كيف تتوقع شكل العلاقة بين مصر وإيران فى القريب؟
- طبقا للتصريحات الأولية للرئيس المنتخب، هناك احتمال لانفراجة فى العلاقات مع إيران، وأعتقد أن هذا تطور فى الاتجاه السليم، لأن التخويف المستمر من إيران، باعتبارها عدوا لما يسمى التحالف السنى فى المنطقة العربية، أمر مغلوط لا يخدم إلا أغراض المشروع الأمريكى الصهيونى فى المنطقة، وولاء النظام السابق لهذه الفكرة أضر بمصلحة مصر.
* ما الدول التى يجب أن تحرص مصر على تقوية علاقاتها بها؟
- الدولتان الصاعدتان فى المنطقة هما إيران وتركيا، حتى الدول العربية الغنية ذات الثراء الفاحش، لا تعد دولا صاعدة من منظور القدرة الإنتاجية والعسكرية، ومن ثم فإن مصر الجديدة القوية القادرة يجب أن تبنى علاقات جيدة مع كلتا الدولتين.
* بوصفك خبيرا للتنمية الإنسانية فى العالم العربى، كيف نخرج من نفقى الفقر والأمية؟
- هاتان القضيتان لهما الأولوية الأولى، لاختراق تزاوج الفقر والقهر، عبر برنامج جاد للقضاء على البطالة والفقر المتصلين، وهذا لن يحدث إلا من خلال برنامج قومى للنهضة، تقوم عليه دولة قادرة تتبنى هذا برنامجا طموحا للتنمية الإنسانية، أهم عوامله تبنى نمط إنتاج المعرفة، وليس الفكر القاصر الذى رعاه نظام مبارك، وما زال متحكما فى الاقتصاد المصرى حتى الآن، بتصور أن كل شىء يدور حول الأموال، فى حين أن كل شىء يجب أن يتمركز حول المعرفة إذا كنا نريد أن نتقدم، فالأمية فى مصر عار ما بعده عار.
* متى تطمئن على مستقبل مصر؟
- بناء على ما يحدث خلال الشهور الـ 6 المقبلة، وهناك محكان أساسيان: أولهما إعداد دستور جيد يضمن تحقيق غايات الثورة، والثانى الانتهاء من انتخاب مجلس شعب، يعبر تعبيرا أفضل، عن القوى المناصرة للثورة، فسيكون هذا بادرة خير.