شىء خطير أن يصبح الموت مسألة عادية معدومة المعنى فى حياة أية مجموعة بشرية، فيقتل البعض دون اكتراث، ويمر آخرون على مشاهد القتل بلا مبالاة. وصول مجتمع إلى هذه الحالة أمر يستحق المراجعة، وإذا لم يفعل أهله فأنذرهم بما هو أخطر وأصعب فى المستقبل. قبل ساعات شُيعت جنازة الطفل يوسف قتيل «6 أكتوبر». «يوسف» مات برصاصة مجهولة أطلقت ابتهاجاً بحفلة خطوبة، بعض المواقع الإعلامية ذكرت أن التحريات قالت إن وراء إطلاق الرصاصة شخصين أحدهما ضابط شرطة والثانى نجل عضو برلمان. قبل جنازة «يوسف» بساعات كان هناك موكب جنائزى طويل ضم شهداء أوتوبيس المنيا الذين أراقت دمهم عصبة من الإرهابيين.
هل إطلاق الرصاص أصبح سهلاً إلى حد أن غدا كل من يملك مسدساً أو رشاشاً لا يتوانى عن الضغط على الزناد لتصيب رصاصات الموت من تصيب؟. الضابط وابن البرلمانى لا يربطهما سابق معرفة بـ«يوسف»، وقتلة شهداء الدير لا يعرفون أحداً من الثلاثين الذين أراقوا دمهم بدم بارد. القتل البائس نوعان: أن يقتل أحد نفساً بغير نفس، أو أن يقتل إنسان آخر لمجرد الفساد فى الأرض. إنهما النوعان اللذان حددتهما الآية الكريمة التى تقول «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا». القتل المعبر عن الفساد فى الأرض كما قلت لك ذات مرة هو القتل الذى يقوم فيه إنسان بسفك دم إنسان آخر لا يعرفه، إنسان وُجد فى طريق رصاصات القاتل بالصدفة البحتة. ذلك هو القتل الذى يعكس حالة الفساد فى الأرض. وقد غدا أكثر أنواع القتل شيوعاً فى بر المحروسة.
النتيجة التى تترتب على هذا النوع من القتل خطيرة كل الخطر، القتل القائم على فكرة «الفساد فى الأرض» يؤدى إلى تدمير الحياة، وقد عبرت الآية القرآنية عن هذا المعنى بعمق حين وصفت من يفعل ذلك بعبارة «فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا». فالرصاصات الطائشة التى تقتل بلا سبب أو ذنب أو جريرة لا تقتل واحداً، بل تدمر الحياة برمتها، قتل الواحد هنا يساوى قتل كل البشر. الرصاصات الطائشة كثرت فى مجتمعنا وأصبحت تضرب فى اتجاهات متنوعة، كثيرون يُقتلون فى هذا المجتمع دون ذنب أو جريرة. ربما كانت أحداث القتل الطائش جزءاً من الحياة، ومن طبيعة البشر، لكن انتشارها وتنوع أطيافها بالطريقة التى نعاينها فى واقعنا المعيش حالياً يضعنا أمام تحدٍ خطير.
أريد أن أنبه فى هذا السياق إلى أن العلاقة بين الكلمات الطائشة والرصاصات الطائشة علاقة أساسية وجوهرية. فالرصاصة الطائشة غالباً ما تبدأ بكلمة عنصرية طائشة تقوم على الإعلاء الواهى من قيمة الطبقة أو الوظيفة أو العائلة، وأخيراً -وذلك هو الأهم- أو الديانة. الله تعالى «رب الناس».. كل الناس.. الله تعالى لا ينظر إلى جيوبنا أو سترتنا أو وظائفنا أو بطاقات هويتنا.. ربك رب قلوب.