المحكمة في قضية تصدير الغاز: المتهمون باعوا ثروة مصر للعدو
قالت المحكمة في حيثيات الحكم في قضية تصدير الغاز لإسرائيل، إنه بعد الاطلاع على أوراق القضية، ثبت في عقيدتها أن واقعات الدعوى حسبما استقر في يقين المحكمة واطمئن إليه وجدانها مستخلصة من سائر أوراقها وما تم فيها من تحقيقات ابتدائية ونهائية، وما دار بشأنها بجلسات المحاكمة، تخلص أننا أمام جريمة متتابعة الأفعال، اتحد فيها الغرض الإجرامي لدى المتهمين جميعهم، وجعلت من أفعالهم المتعددة مشروعًا إجراميًّا واحدًا.. جريمة تعددت عناصرها وسبل تنفيذها وتضافر الرباط الذي يجمع بينها ويجعل لها حكم العمل الواحد.. جريمة شنعاء خططوا لها جميعهم، الحاضرون منهم والغائب، فأصبحت نموذجًا إجراميًّا فريدًا في الأخرية وجرائمه.. الأخرى وهبهم الله مناصب رفيعة ومواقع متميزة يرمون إليها نظرائهم وجل البشر بأبصارهم، وتندفق من الحسرة على عدم بلوغها أوداجهم.. الأخرى حملهم الله أمانة عرضها على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقنا منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.. أمانة ثقيلة من صنعه عز وجل؛ إعزازا وتكريما ورفعا لهذا البلد الطيب الطاهر الثري الذي جعل سبحانه وتعالى ترابه ذهبا وظاهر أرضه منبتا حسنا ومطعما طيبا وماء عذبا فراتا سائغا للشاربين وآخر ملحا زاخرا بالطعام الطيب والثروات الدفينة، وجعل بينهم برزخا لا يبغيان. بلد جعل الله لكل من يمشي في مناكبه آلاء لا تعد ولا تحصى فيأكل منها ويستفيد ويتنعم بها.. ثروات وكنوز وخيرات تعم كل بقاعه جعلته مطمعا على مر العصور بين غازٍ ومستعمر وأبناء له.. يجعل أولى النهى يعجزون عن حمده وشكره، فقد أحال لهم جزءًا ليس بقليل من باطن أرضه ذهبا أسود (البترول) لا يقل قيمة وأهمية عما سواه، فهو سبحانه عليم بأمور الخلق كافة.. عليم الأمور بالخلق في ذلك البد الذي من دخله إن شاء الله كان آمنا.. مَنَّ الله سبحانه عليه بمن يحفظ له وللمصريين على أرضه كرامته والعيش على ما أنعم به عليه ليعزهم ولا يزلهم، حتى إذا ما أصبحت المنتجات البترولية لا تفي احتياجاته لم يشأ عز وجل له أن يستجدي أحدا سواه في عديد من باطن أرضه وبحره بطاقة أخرى تكون له عون ومصدر رزق تجعله مطمئنا آمنا وطاقة ينشدها العالم أجمع لما وضعه سبحانه فيها من ميزات اقتصادية وبيئية.. كانت هذه الطاقة الغاز الطبيعي الذي يعرفه ويقدره و يتهافت عليه العدو قبل الصديق، فهو حديث العالم متحضره ومتخلفه متقدمه وناميه بحسبانه آمنا لا يلوث البيئة كما تحدثه المنتجات البترولية الأخرى، فضلا عن رخص سعره مقارنة بسعر الزيت الخام.
قد مرضت أفئدة المتهمين وأثاروا الحياة الدنيا رغم الآخرة خير وأبقى وتفانوا وتباروا في إهدار تلك الثروة القومية وبيعها للعدو قبل الصديق. باعوها لعدو احتل الأرض وذبح الأبناء.. عدو كان وما زال يتربص بنا الدوائر.. عدو استولى عنوة على ثرواتنا في سيناء ونهبها قرابة 6 سنوات. ولما أجبر على إعادتها عندما أوشكت ثرواتها على النضوب وضعنا يدنا في أيديهم الملطخة بدماء شهدائنا وتناسينا عن عمد ما فعله وما يفعلوه.. وليت الثمن كان مجزيا بل كان للعدو بخس.. نقود معدودة كان إهداء الغاز الطبيعي للعدو من باب النخوة التي يعرف بها المصريون أكرم من بيعه بما يسمى ثمنا.. لا الثمن مقابل شيء يضاهيه ولكن المتهمين وهم الصفوة في عملهم وذوي الخبرات النادرة في هذا المجال وإليهم يرجع الأمر.. فأسهموا جميعهم في ارتكاب تلك الجريمة والتي ارتكبها كل منهم عن عمد عملا من الأعمال التي ارتكبوها في سبيل تنفيذها.. وقد توافرت الرابطة الذهنية التي جمعت بينهم والتي أفضت جميعها إلى نتيجة إجرامية واحدة، فقد آثروا عن عمد أن يقسموا التركة قبل وفاة المورث وهو الشعب المصري، ونفذوا مشروعهم الإجرامي وباعوا الغاز الطبيعي لهذا العدو بما يشبه الثمن وهو ليس بثمن.. وعندما اكتملت خيوط المشروع الإجرامي لديهم بدؤوا في نسجها عاملين متعمدين عن بصر وبصيرة وقناعة، فانطلقوا سهاما مسمومة لتستقر في تلك الثروة القومية الناضبة، فاتفقوا على هلكتها مجتمعين ولكل منهم دور قاتل محدد.. وظهرت أولى خطوات تلك "الخطة الإجرامية" بخطاب شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز المؤرخ في 2 إبريل 2000 أرسله المتهم حسين سالم الذي يمتلك 70% من أسهمها ويرأس مجلس إدارتها إلى رئيس مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول، يخبره فيه أنه قد صدر القرار رقم 1020 لسنة 2000 من الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة بالترخيص بإنشائها.. وبه يفصحه عن مساهمته في ذلك المشروع الإجرامي الذي استغرق ارتكاب الأفعال التنفيذية المكونة له زمنا طويلا نسبيا.. وقد أشار في هذا الخطاب الذي عرض على المتهم الأول سامح فهمي إلى التوجيهات بشأن قيام تلك الشركة بتصدير الغاز الطبيعي المصري إلى كل من تركيا وإسرائيل وضمان توريد كمياته التي ستوقعه الشركة مع الجهات المستوردة لكل منهما، واقترح في هذا الخطاب وحتى يكون سعر الغاز منافسا للأسعار العالمية، أن يكون دولارا واحدا ونصف الدولار الأمريكي لكل مليون وحدة حرارية بريطانية عند مخرج خط الأنابيب بشمال سيناء بالعريش.
وقد كلف رئيس الهيئة في ذلك الوقت كلا من المتهمين حسن عقل ومحمود لطيف وإسماعيل كرارة بإعداد مذكرة للعرض على مجلس الإدارة، فأعدوها بالسعر الذي حددته شركة المتهم السابع.. حينئذ أصدر مجلس إدارة الهيئة قرارا بالموافقة على هذا السعر باعتباره سعرا أساسيا وحدا أدنى لا ينبغي النزول عنه في التعاقد، حتى لو وصل سعر خام البرنت إلى صفر ولكن يزيد ويرتفع بارتفاع سعر الخام، وعرض قرار مجلس الإدارة على المتهم الأول سامح فهمي بصفته وزير البترول فأشر على قرار المجلس بالاعتماد في ضوء المعروض مع تحديد أسلوب الربط بخام برنت والعرض على مجلس الإدارة لاتخاذ القرار المناسب وتحديد فترة توريد الغاز، وباعتماد المتهم الأول القرار سالف الذكر يكون قد أصدر أمرا مباشرا بالبيع لتلك الشركة. رغم أن المادة 4 من اللائحة نشاط الأعمال التجارية للهيئة المعمول بها دون قانون المناقصات والمزايدات رقم 89 لسنة 98 بناء على الفتوى رقم 6/7/87 الصادرة من إدارة الفتوى لوزارات الصناعة والثروة المعدنية والبترول والكهرباء بمجلس الدولة والتي تضمنت استمرار العمل بأحكام لائحة نشاط الأعمال التجارية بالهيئة الموافق عليها من مجلس إدارة الهيئة بتاريخ 6 أغسطس 92، فيما يتعلق بالقواعد والإجراءات الخاصة بالأعمال التجارية الداخلية والخارجية المرتبطة بزيت الخام والمنتجات البترولية والكيماوية والغازات الطبيعية، وذلك دون أحكام قانون تنظيم المناقصات والمزايدات.. قد حددت طرق تصدير وبيع الزيت الخام والمنتجات البترولية والبتروكيماوية والغاز الطبيعي والمسال بإحدى الطرق الآتية:
1- المزايدة المحدودة 2- الممارسة 3- الأمر المباشر.
وذكرت المادة 15 من اللائحة ذاتها أنه لا يتم تصدير المواد سالفة الذكر في المادة 4 بالأمر المباشر إلا في حالات الضرورة وبالأسعار المناسبة بناء على توصية من لجنة البت بموافقة وزير البترول والثروة المعدنية والثابت بالأوراق بأنه لا يوجد أي حالة للضرورة ولا لجنة بت توصي بالأسعار المناسبة .
وبإصدار المتهم الأول سامح فهمي الأمر المباشر ببيع الغاز الطبيعي المصري لشركة حسين سالم لتصديره لكل من تركيا وإسرائيل، يكون هو الآخر وضع عدة لبنات للمشروع الإجرامي الذي نواه.. وما من يوم يمر إلا وتبعث الروح في هذا المشروع الإجرامي وإذا بالمتهم الخامس محمد إبراهيم طويلة الذي كان رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول يرسل بتاريخ 24 مايو 2000 خطابا إلى رئيس شركة كهرباء إسرائيل يتضمن تعهد الهيئة بإمداد تلك الشركة الإسرائيلية بالكميات التي يتم التعاقد عليها بين شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز والمستوردين الإسرائيليين بحد أقصى 7 بليون متر مكعب من الغاز لمدة 20 عاما.. وكان هذه أول مرة تذكر فيها كمية الغاز المطروح.
وكذلك مدة التوريد ثم لم تكد تمضي سوى 3 أشهر و23 يوما على إرسال ذلك الخطاب خلالها ومن قبلها كانت الخطة الإجرامية تختمر لدى المجرمين وعلى رأسهم المتهم الهارب حسين سالم الذي رأى أن مغنمه من قوت الشعب المصري الذي ابتلي به وبأخلائه من بقيتهم لا يُطفئ نار الجشع والطمع لديه، فسال لعابه وفتح فمه عندما عاد بذاكرته إلى الوراء 5 أشهر و15 يوما، عندما أرسل الخطاب المؤرخ في 2 إبريل 2000 بداية افتتاح المشروع الإجرامي لهيئة البترول لم ير أو يسمع ثمة مناقشة أو اعتراض على السعر الذي حدده فيه بنفسه، بل أزعن له الجميع.. فقرر أن يعضد مشروعه الإجرامي بعد أن أسهم فيه معه باقي المتهمين وأرسلت شركةbmg التي يرأس مجلس إدارتها خطابا ثانيا مؤرخا في 17 سبتمبر 2000 إلى المتهم الخامس محمد إبراهيم طويلة رئيس الهيئة المصرية العامة للبترول يعدل فيه عما سبق في خطاب تلك الشراكة المار بيانه، مقترحا فيه ربط سعر تصدير الغاز المصري عند مخرج العريش بمعادلة سعرية متوسطة مرتبطة بأسعار الخام العالمي البرنت وبالجازولين والسولار بحد أدنى 75 سنتا وبحد أقصى دولار وربع لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، متعللا بما سبق الموافقة عليه من مشروعات أخرى ومن أنه قد تبين من الأسعار العالمية والمنافسة الحادة في الأسواق، وخاصة تلك الآتية من روسيا وتركستان وغيرهما، تضع الأسعار في الفترة المقبلة في مستوى منخفض وذلك على خلاف الحقيقة.. وحينئذ كلف المتهم الخامس محمد طويلة المتهم الثالث محمود لطيف نائب رئيس الهيئة بإعداد مذكرة اشترك فيها معه نائب رئيس الهيئة للتجارة الخارجية أخذت رقم 85 في 17 سبتمبر 2000 أثبت بها -استمرارا للمشروع الإجرامي المساهمين فيه بصفة أصلية- أنه بناء على تأشيرة المتهم الأول أمين سامح فهمي باعتماد قرار مجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول بتاريخ 12 إبريل 2000، فقد تم وضع أسلوب الربط المقترح الذي اعتمد فيه السعر المتدني المقترح أخيرا من شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز.. وقد أنقد مجلس إدارة الهيئة برئاسة المتهم محمد طويلة بتاريخ 17 سبتمبر 2000 في اليوم ذاته الذي أرسل المتهم السابع فيه ذلك الخطاب، وكان من أعضاء المجلس في ذلك اليوم المتهمون حسن عقل وإسماعيل كرارة ومحمود لطيف وآخرون، ووافق المجلس على تلك المذكرة، ثم عرض قرار المجلس على المتهم الأول سامح فهمي فلم يعتمده وأشر بعرض عدة بدائل وربط تسعير الغاز بخام برنت وبعض المنتجات البترولية الرئيسية.. وبإعادة عرض القرار ذاته الصادر من مجلس إدارة الهيئة على المتهم الأول في اليوم ذاته، عاد واعتمد بعد أن كان قد رفض.. وكان اعتماده بناء على المذكرة المؤرخة في 17-9-2000 التي حررها المتهمون حسن عقل ومحمود لطيف وإسماعيل كرارة وهي غير المذكرة 85.. وإمعانا واستمرارا في تنفيذ الخطة الإجرامية بعدما انقلب المتهمون رأسا على عقب وتناسوا عن عمد قرار مجلس إدارة الهيئة الصادر بتاريخ 12-4-2000 الذي اعتمده فهمي في اليوم ذاته الذي ما كان منه إلا أمر مباشرة ببيع الغاز الطبيعي المصري لشركة سالم ولم يذكر أي منهم تعليلا أو فلسفة لإهدار هذا القرار الذي أقر سعر بيع الغاز بدولار ونصف بحد أدنى وبدون سقف بحسبانه سعر الأساس الذي يتعين عدم النزول عنه حتى لو وصل سعر خام البرنت إلى صفر بل يزيد بزيادة الأخير.
وتجاهلوا عن عمد الدراسة التي أعدها الشاهد الثاني إبراهيم كامل في مارس عام 2000 بناء على تكليف المتهم الأول له بإعداد دراسة سعرية عن تكلفة إنتاج الغاز في مصر خلال 20 عاما لكل حقل غاز على حده في الماضي والحاضر والمستقبل المحتمل عند 18 دولارا لبرميل خام البرنت، ورغم أن الدراسة لم تحدد سعر التكلفة والبيع للوحدة الحرارية إلا أنها انتهت إلى أن متوسط تكلفة إنتاج الغاز من الحقول المصرية حوالي دولار ونصف لكل وحدة حرارية عند سعر 18 دولارا لبرميل خام البرنت ويزيد سعر الأخير بناء على المعدلات السعرية بشراء حصة الشريك الأجنبي من غاز الربح واسترداد المصروفات وبدون سقف للمعادلة، وأن كمية الاحتياطي للغاز في مصر لا يزيد عن 40 تريليون مكعب وقد شاركه في إعداد تلك الدراسة المتهمون حسن عقل ومحمود لطيف وإسماعيل كرارة وإبراهيم صالح وآخرون، إلا أن المتهم الأول سامح فهمي قد رفضها بعد أن طلب منه استبعاد تكلفة إنتاج الغاز من حق غرب الدلتا لارتفاعها واستبعاد الضرائب والإتاوة التي تقوم الهيئة بدفعها عن نفسها وعن الشريك الأجنبي حتى يتم استنزال تلك القيم من متوسط التكلفة ويتم خفضها إلى 67 سنتا، وذلك على خلاف الحقيقة، فرفض الشاهد الثاني منه ذلك وحينئذ قام بعرضها على المتهمين سالفي الذكر؛ وهم أعضاء بلجنة الغاز التي يترأسها المتهم الأول ويعملون بها وبما انتهت إليه تلك الدراسة، ولكن كلت قلوبهم فعميت وفي الأخذ بالدراسة تلك إفسادا لخطتهم الإجرامية، ولما كانوا جميعهم على قلب رجل واحد في مشوارهم الإجرامي ويقولون ما لا يفعلون ويعملون بما لا يتعلموا ورؤوا المتهم الأول سامح فهمي الذي أقسم عند توليه منصبه وزيرا للبترول على رعاية مصالح بلده وأن يكون أمينا على المال العام لا ينحاز به لمصالح متعارضة تسعى بكل السبل غير المشروعة للاستيلاء عليه.. فضلا عن أنهم جميعهم من الموظفين العمومين فالأول وزيرا للبترول والثاني نائبا سابقا لرئيس الهيئة للإنتاج والثالث نائبا لرئيس الهيئة لمعالجة وتصنيع الغازات والرابع نائب رئيس الهيئة للتخطيط والخامس رئيس لمجلس إدارة الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية والسادس رئيس لمجلس إدارة الهيئة المصرية العامة للبترول، وكان يجب عليهم الالتزام بالذمة والأمانة والضمير .
إذ ضل الأول السبيل، فقد ضلوا معهم عن عمد وقناعة.. وإذا وجد المتهم الأول سامح فهمي واضعا لبنات هذا المشروع الإجرامي في المتهمين حسن عقل ومحمود لطيف وإسماعيل كرارة، ووهم المهندسون المتخصصون الخبراء في عملهم أرضا خصبا لحضانة تلك الخطة الإجرامية وهم على علم يقيني على أنهم سيلبسون الباطل ثوب الحق بما أوتي من خبرات فائقة في هذا المجال وهي خبرة لا ينكرها أحد ولا يستطيع أي منهم نكرانها، وبعد أن خدروا ضمائرهم وطرحوا كبيرهم عن عمد الدراسة التي أعدها الشاهد الثاني المار بينها، وكذلك قرار مجلس إدارة الهيئة في 12-4-2000 الذي حدد سعر الغاز بناء على اقتراح المتهم السابع حسين سالم بدولار ونصف كحد أدنى وسعر أساس كما سلف بيانه، وهو معلوم للمتهمين علم اليقين، فقد كلف الأول هؤلاء الثلاثة بإعداد المذكرة المؤرخة في 17-9-2000 لعرضها على مجلس الوزراء، فبادروا وأعدوها ملبسين فيها الباطل ثوب الحق.
أضافت المحكمة أن تلك المذكرة وقع عليها المتهمون الثلاثة وأثبتوا فيها أنهم قاموا بمراجعة السعر ودرسوا الموضوع بعناية ووافقوا عليها ببيع الغاز بسعر متدنٍ.. وإذا حررت تلك المذكرة يكون قد مضى على تحريرهم المذكرة 30 لسنة 2000 المار بيانها 5 أشهر و5 أيام وأثبتوا في الأخيرة ما يكاد أن يكون نصا مما أثبتوه في تلك المذكرة بل كان في الأخيرة المؤرخة 17-9-2000 نقلا عن المذكرة 30 لعام 2000.. وقد أخذ المتهم الأول تلك المذكرة المؤرخة في 17-9 وقبل عرضها على مجلس إدارة الهيئة قام بعرضها في اليوم التالي مباشرة على مجلس الوزراء الذي وافق هو الآخر على ما جاء بها بالسعر المتدني السالف ذكره.. وتمضي الأيام والسنون 3 سنوات و4 أشهر و8 أيام على صدور قرار رئيس مجلس الوزراء والمتهم الأول يتربص بثروة مصر من الغاز الطبيعي لما يتنسى خلالها جريمته التي نواها منذ بداية اتمامها ويفوض المتهمين محمد إبراهيم طويلة وإبراهيم صالح بالقرارين رقم 100 لسنة 2004 و465 لسنة 2005 بالتوقيع على عقود البيع والضمان والكمية.. وقد وقعا على التعاقدات دون مراعاة لحقوق الهيئة والشركة القابضة، فلم يضمن العقد بندا يسمح بالمراجعة الدورية السعرية كل 3 أو 5 سنوات، لأن عدم إدراج هذا البند بالعقد يفوت على الجانب المصري تحقيق مزيد من الإيرادات.. ويعني ثبات السعر طوال مدة التعاقد 15 سنة، رغم أن أسعار المنتجات البترولية الداخلة في المعادلة الخاصة بالتسعير كانت تتغير سنويا بمتوسط حوالي 15% صعودا، كما تضمن التعاقد –فضلا عن السعر المتدني– شروطا مجحفة وقاسية على الجانب المصري ممثلا في الهيئة والشركة القابضة تمثلت في التزام مصر بتوريد 7 بليون متر مكعب غاز سنويا، بينما تلتزم شركة سالم بأخذ كميات سنوية تصل إلى 64 مليون و15 وحدة قياسية للسنة الأولى تزاد في فترة التعاقد الثانية إلى 78 مليون و267 بمعنى أن الشركة سالفة الذكر لا تلتزم بشراء أكثر من 30% مما التزم به الجانب المصري من توفيره من الغاز الطبيعي، وهو ما يمثل عبئا كبيرا على الجانب المصري.
وكان من نتيجة عدم تضمين العقد بند المراجعة للأسعار ورغم التعديل الذي جرى على العقد في 31-5-2009 في نتيجة التعاقد الذي تم في 2006 مناسبا وما كان من المتهمين إلا بقصد تربيح المتهم حسين سالم بمنافع غير مستحقة بمبلغ مقداره 2 مليار و3 ملايين و319 ألف و675 دولارا أمريكيا، والإضرار العمدي بالمال العام بما يبلغ مقداره 714 مليون و89 ألف و997 دولارا أمريكيا، وحصل المتهم السابع منه على منفعة فعلية يبلغ مقدارها 499 مليون و862 ألف و998 دولارا أمريكيا باعتبار أنه يمتلك 70% من قيمة أسهم شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز.
وبالنسبة لأسباب براءة سامح فهمي من تهمة التفاوض مع دولة أجنبية في شأن من شؤون الدولة وتعمد إجراءها ضد مصلحتها، قالت المحكمة إنه لما كان من المقرر أن المفاوضة هي إجراء دولي يتم فيه تعبير دولتين أو أكثر عن وجهة نظرهما تجاه مسائل معينة بقصد الوصول إلى تعاقد دولي، وهي تعبر عن إرادة الدولتين، وهي في الأصل تكون لرئيس الدولة أو من ينوب عنه، وهذه الإنابة تحتاج إلى أوراق تفويض فيما عدا رؤساء الدول والحكومات ووزراء الخارجية ورؤساء البعثات الدبلوماسية لدى الدول التي يتم التفاوض بها ومع ممثليها، وحيث إنه لما كان ذلك وأيا كان وجه النظر القانوني في توصيف ما أطلق عليه تفاهم أو بروتوكول المؤرخ في 30-6-2005، وما إذا كان يعد معاهدة أو اتفاق بين دول، فهو عقد تجاري محدود المدة بين مصر وإسرائيل ولا يعد من قبيل المعاهدات الدولية.
وأكدت المحكمة أن أوراق الدعوى وتحقيقاتها خلت مما يقطع بأن المتهم الأول سامح فهمي كان مكلفا من قبل السلطة المختصة للدولة -كتابة أو شفاهة- لإجراء المفاوضات مع ممثل حكومة إسرائيل في شأن الاتفاق على تصدير الغاز المتعاقد عليها فيما بين الهيئة العامة للبترول والقابضة للغازات، وشركة كهرباء بورسعيد من جانب آخر وهو التعاقد الذي تضمنه عقدا البيع والضمان، وكان تكليف المتهم الأول بالتوقيع على ما أطلق عليه مذكرة تفاهم أو بروتوكول بين مصر وإسرائيل وما قالته النيابة في مرافعتها إن تكليفه بالتفاوض كان بقرار من الهيئة العليا للغاز التي يرأسها الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء الأسبق، وذلك بجلستها المنعقدة في 12 ديسمبر 2000، فإنه فضلا عن أن ذلك القرار لم يتضمن تكليف بالتفاوض مع حكومة دولة أجنبية، فإن تلك اللجنة غير مختصة بإصدار مثل ذلك القرار بالتفويض.
وأكدت المحكمة أنه إعمالا للحق المخول لها في تفريد العقاب على المتهمين، فإنها أنزلت بكل منهم ما يستحقه من العقوبة التي قدرتها في حكمها على قدر جرمه ومساهمته في الجريمة.