منذ اعتقال ناصر الزفزافى، قائد حراك الريف، ومجموعة من رفاقه، ومدينة الحسيمة المغربية تعيش على إيقاع الاحتجاج، حيث المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وتحقيق مطالب الساكنة المتعلقة بإلغاء ما يسمى بـ«ظهير العسكرة»، ورفع العزلة عن المنطقة من خلال مطالب حددها المحتجون بـ«ربط إقليم الحسيمة بخط السكك الحديدية وربطه بالشبكة الوطنية للطرق السيارة والتسريع فى إتمام أشغال الطريق الرابطة بين تازة والحسيمة»، إلى جانب «توسيع مطار الشريف الإدريسى بالإقليم وفتح خطوط جوية جديدة بأسعار مناسبة»، و«فتح خطوط بحرية جديدة بين الحسيمة وأوروبا لتسهيل عملية العبور وتعزيز الشبكة الطرقية بين مختلف مداشر إقليم الحسيمة والدرويش».
وما حصل عليه أهالى الحسيمة، فى المقابل، خلال سبعة أشهر من الاحتجاجات هو إسقاط محافظ المنطقة، ونقل مجموعة من رؤساء المصالح، وحديث عن توظيف الشباب فى مصانع بمدينة طنجة، وخلق فرص عمل للخريجين العاطلين عن العمل، بالإضافة إلى تعهد الدولة بإنشاء مستشفى إقليمى تزيد تكلفته على 2.5 مليار درهم، وإتمام الطريق المزدوج بين الحسيمة وتازة، الذى تقدر تكلفته بـ3 مليارات درهم، وإنشاء 5000 وحدة سكنية، لكن هذه الإجراءات والتعهدات لم تُرضِ المحتجين.
ولا شك أيضاً أن الفساد مستشر، ليس فقط فى منطقة الحسيمة، ولكن فى كل المناطق المغربية، وهو الفساد الذى جعل معظم المشاريع المذكورة تعرف مشاكل متشعبة ومجموعة من التعثرات فى التنفيذ وانسياباً عارماً فى التدبير توارت وراءه طموحات وآمال الساكنة، مما يعنى أن هناك تقصيراً من طرف الحكومات والمنتخبين وباقى المسئولين، ووجوب المحاسبة على هذا التقصير.
ولا شك ثالثاً أن الاحتجاج السلمى حق مشروع يكفله الدستور المغربى. وفعلاً على مدار سبعة أشهر لم تتعرض السلطات الأمنية للمحتجين ما دامت مسيراتهم سلمية ومطالبهم مشروعة.
لكل هذه المعطيات، كان حراك الريف سيحقق أهدافه ويحافظ على التضامن الذى وصله من كل المناطق المغربية، لولا أنه خرج عن مساره بعد أن تحول الاحتجاج السلمى إلى عنف لفظى، ومحاصرة للمسئولين، وإقصاء للأعلام المغربية من كل المسيرات الاحتجاجية، والتطاول على رموز وهيبة الدولة، مع تهم بالحصول على تمويل من الخارج. وهنا سقط الاحتجاج فى المنطقة المحظورة، مما أعطى فرصة للدولة للتعامل معه بحزم، من خلال سلسلة الاعتقالات التى طالت قائد الحراك ورفاقه ومنع المسيرات الاحتجاجية فى الحسيمة وفى باقى المدن المغربية.
حراك الريف هو اليوم أمام مفترق طرق، فإما أنه سيستفيد من أخطائه السابقة ويبادر إلى الجلوس لطاولة الحوار الهادئ والهادف، عن طريق قادة للحراك يتم اختيارهم بعناية، وقتها الدولة ستستمع لهم ولن تجد خياراً إلا تنفيذ ما تجده معقولاً وقابلاً للتحقيق من مطالب.
أما الدولة، فعليها التقاط الإشارة من هذا الحراك الذى هو بمثابة ناقوس خطر. فالمواطن المغربى وصل إلى مرحلة لم يعد يسمح معها باستمرار صور الفساد والتهميش و«الحكرة»، التى يقول عنها أحد المختصين إنها تجاوزت، فى سياق استخدامها الجديد، مدلول المفردة الذى يعنى الاستعلاء والاحتقار، وأصبحت ذات معنى شامل يعنى الحقوق المدنية المرتبطة بالمطالب المادية والمعنوية مثل الحق فى الصحة، الشغل، التمدرس، اللغة، المساواة، الاحترام، الكرامة.
حراك الريف حرّك المياه الراكدة، وكسر حاجز الصمت داخل نفوس كثير من المواطنين، خاصة فى المناطق المهمشة، الذين أصبحوا أكثر اقتناعاً بحقهم فى التنمية والتوزيع العادل للثروة. الثروة التى تساءل العاهل المغربى عنها فى خطابه بمناسبة الذكرى الـ 15 لجلوسه على العرش قائلاً: أين هى الثروة؟ وهل استفاد منها جميع المغاربة، أم أنها همت بعض الفئات فقط؟
وهنا تحديداً مربط الفرس!