لا تنتظر منّي أن أناقش الواقع معك بشكل واقعي. دعنا نتحرر من قيود كتابة المقال، وقيود المنطق والعقل المرسومة، ولننظر إلى الواقع بنظرة فوق-واقعية. ولو تعلم، لا شيء أمامك يظهر كما هو. هناك دائمًا وجه مخفي آخر لا تعلم عنه شيئًا.
الإنسان، يجلب خيط رفيع طوله عشرة أمتار، ويُعقّده ويربطه ويلفّه حتى يصير الخيط الطويل كُرة معقودة. ثم يختلي الإنسان بنفسه ويبدأ في النحيب. يصرخ، ويبكي.. منهم من يكتفي بذلك، ومنهم من يكفر. منهم من يكتفي بالكفر، ومنهم من ينتحر. لمَ؟ لأن الخيط يستعصى فكّه!
ينوي الإنسان أن يصلح حاله، يقول "سأسلك الطريق الصحيح" وقدماه تنحرفان إلى الطريق الخطأ في اللحظة ذاتها.. فصام؟ لا.. غباء؟ لا.. عند؟ ربما.
ذكي هو، يعرف كل شيء، ويعرف الحلال والحرام بالفطرة، ويتحجج رغم ذلك بجهله، وبغبائه.. لا تُصدّق.. هو ذكي.. هو فقط يحب أن يُعانِد.
ولكني أتحدّث بواقعية الآن! حسنًا.. دعنا نعلو فوق الواقع قليلًا، أو كثيرًا.. الإنسان فكرة مُعارضة، والكون أم طيّبة. يقول الكون للفكرة افرزي لي شحنات موجبة أعطيك من خيري وتصيري فكرة كبيرة لها قوّة مسيطرة يمكنها أن تتحكم فيّ.. في الكون! تأبى الفكرة أن تفرز شحنات إيجابية، وبعند غير منطقي، تفرز شحنات سالبة بعدد قطرات مياه السيول. يحزن الكون، ويحجب خيره، وتضعف الفكرة.. وما زالت تضعف حتى تصير هباءً منبثًّا.
الفكرة ذكية، وتعرف ماهيتها، وتعرف العواقب المترتبة على تصرفاتها الخاطئة، لكنها مغيّبة.. تتحكم فيها فكرة أكبر، فكرة شيطانية خبيثة.. تسوقها إلى الفناء الأبدي، الفناء في جحيم يصهر العقول.
دعونا نسمو فوق الواقع أكثر من ذلك. الإنسان، يسعى أن يكون خطيئة، حتى يصير خطيئة بالفعل. الخطيئة، تحارب نفسها، تأكل نفسها، وتمقت ذاتها، تريد التحرر من ذنبها، والطيران إلى السماوات الواسعة النقية.. الخطيئة تتمثل على هيئة وجوه تبتسم، وتقهقه، وتتسامر، وتثرثر.. الخطيئة تخون، وتزني، وتكذب، وتقتل، وتُفسِد، وتَفسَد؛ حتى تصير خطيئة كما يجب! الخطيئة تئن، وتبكي، وتتعذب، وتطلب الغفران من الكون، الأُم.. والأم لا تملك إلا أن تعاقب المخطئ، وتحجب خيرها عنه، حتى يرتد إلى الفكرة الموجبة المؤثرة في صميم الكون.
لا يهم.. كل ذلك لا يهم. يعيش الإنسان كما هو، وتدمع السماوات حزنًا، وتتملل الأرض من السائرين فوقها، وكل هذا له نهاية حتمية.. ما هي النهاية؟ دعنا لا نذكر نهاية واقعية معروفة لدى الجميع، فلنتخيّل نحن نهاية مغايرة.. فوق-واقعية، ولكنها ستحدث حقًّا، ولكن بوجه آخر لا يشبه وجهها السريالي. النهاية هي أن الفكرة ستُصعَق بنور البرق، وفي لحظة سيستنير العقل، وتتبدى الحقائق، ثم يجيء كرباج الندم يجلد الفكرة بأن يشككها في كينونتها، ثم تعود الفكرة وتضلّ ضلالًا مبينًا. هل كذبت عليك وقلت أن هذا الكلام غير واقعي؟ بلى.. هذا المقال ليس سرياليًا. كل كلمة هنا واقع. واقع جلّي جدًّا.