على الرغم من توافقه مع المقولة الشهيرة «أن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبداً» -بعد أن صبرت عليه مصر منذ منتصف تسعينات القرن الماضى- إلا أن القرار الرباعى بمقاطعة قطر كان لابد أن تتبعه دعاوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية بعد أن ثبت أن الشعب القطرى قد ابُتلى بأمير جعل بلاده مأوى وملاذاً للإرهاب وجماعاته المختلفة واستطاع للأسف، بما يمتلكه من أموال ومنصات إعلامية، إحداث الفوضى وإراقة الدماء العربية بدعمه للإرهاب بكافة صوره وأشكاله وتمويله وتسليحه ظناً من جانبه أنها أدوات تمكنه من أن يلعب دور الريادة والزعامة فى المنطقة، ومتوهماً بأن الثقل المالى لـ«دويلته» هو الباب الملكى لتحقيق أوهامه هذه، فراح يهدر مليارات الدولارات فى تآمر واضح على الدول والشعوب بعيداً عن الشرف لتحقيق الوجود بالخداع والنصر بالخيانة بحثاً عن دور لا يتسق حجمه مع ضآلته تاريخياً وجغرافياً وسياسياً..!
وإذا كان قرار مقاطعة قطر دبلوماسياً قد بدأ بأربع دول «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» إلا أن 8 دول عربية أخرى انضمت فى وقت لاحق لهذا القرار، بينما فضلت دولتان «الأردن وجيبوتى» تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسى رسمياً ليأتى قرار 14 دولة عربية أشبه بـ«البتر لهذه الدويلة» التى اعتاد أفراد أسرتها الحاكمة على «الخيانة والغدر»، وتحولت أراضيها إلى «جنة للفصائل الإرهابية»، وهو ما يفرض على الدول العربية الشقيقة التى طالها التخريب القطرى اتخاذ ما تراه مناسباً من إجراء كى يتم القضاء على أخطر دعائم الإرهاب وهو المال والسلاح والإعلام بعد أن أصبح الإرهاب عابراً للحدود ولم تسلم من شروره دولة من دول العالم.
وعلى الرغم من أن قرارات المقاطعة العربية لدولة قطر لا تستهدف الشعب القطرى إلا أنها بالتأكيد ستكون لها آثار سلبية واضحة على الإمارة وعلى الشعب ذاته، خاصة أن المقاطعة ليست على المستوى الدبلوماسى فقط، وإنما هناك مقاطعة برية وبحرية وجوية، وغلق للمنافذ البرية والموانئ البحرية والمجال الجوى، بل وصل الأمر إلى قطع الرسائل البريدية، وهى ما ستجعل قطر تذوق «مرارة العزلة» العربية باعتبارها فاتورة أحلام «صبى طائش» تراوده أوهام الزعامة و«طيش» أحلام القيادة.
لم تمض سوى ساعات قليلة على قرار المقاطعة الرباعية إلا وبدأ «تميم قطر» يبحث عن مخرج من تلك الأزمة التى لم يتوقع حدوثها، فدفع بوزير خارجيته لينفى دعم بلاده لجماعة الإخوان «الإرهابية»، إذ فى مقابلة مع قناة «سى إن إن» الأمريكية قال: «ليس لنا علاقة مع الإخوان، وإن كنا مخطئين سنتراجع».
وفى نفس الوقت توسل «أمير الأحلام» إلى العاهل الكويتى لتكرار وساطته لدول التعاون الخليجى بإنهاء هذه المقاطعة إذ كانت الكويت وسلطنة عمان سبق أن لعبتا دوراً مهماً فى تهدئة الأوضاع والمصالحة بين الأطراف بالخليج فى أزمة مماثلة وقعت فى عام 2014 وإن كانت أقل حدة، حيث كانت كل من «مصر والسعودية والبحرين والإمارات» قد سحبت سفراءها لدى قطر بسبب ما وصفوه بـ«عدم التزام الدوحة بمقررات تم التوافق عليها سابقاً بمجلس التعاون الخليجى»، إضافة على إصرارها على الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين، وبث الأخبار الكاذبة حول «ثورة 30 يونيو المصرية» عبر قناة الجزيرة.
وإذا كانت الوساطة الأولى قد أثمرت توقيع «اتفاق الرياض» فى مايو من نفس العام عقب الاجتماع الذى عقده وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى، وإعادة السفراء إلى الدوحة فى نوفمبر 2014 -فيما عدا مصر- بعد ما أعلنت حكومة قطر التزامها ببعض ما جاء بالمقررات التى تم التوافق عليها سابقا بمجلس التعاون الخليجى، وإغلاق قناة «الجزيرة مباشر مصر» ورحيل بعض قيادات جماعة الإخوان المسلمين من قطر إلى تركيا.
واقع الأمر يكشف عن أن وجود «تميم» على رأس دويلة قطر أصبح عنواناً للغدر والخداع ورمزاً للإرهاب، ودعماً للكيانات التى تمثله، التى أصبحت خطراً محدقاً يخشى تشعبه فى باقى الدول بعد أن توالى سقوط دول عربية عدة بفعل هذا الإرهاب الذى لا دين له، كما أن استمراره فى الحكم هو استمرار لمحاولة زعزعة الاستقرار فى المنطقة العربية، فى ظل حمايته للإرهاب والتطرف، مارست قطر كل دور سلبى فى كل الدول العربية، كل على حدة، مما خلق توتراً فى المنطقة العربية، فقد أصبحت «دويلة» لها أجندتها الخاصة فلم تحفظ عهداً للمواثيق الدولية، ولم تراع حرمة القانون الدولى وأصبحت لها اليد الطولى فى «بعث الفتنة» وإشعالها فى مناطق عربية عدة بعد أن احتضنت منظمات وجماعات إرهابية متشددة.
المشهد الحالى يؤكد أنه لم يعد أمام «تميم» سوى قبول المطالب والشروط الخليجية والعربية من أجل عودة العلاقات إلى سابق عهدها، ويعنى ذلك تخلى قطر عن سياستها الداعمة لجماعة الإخوان والجماعات المتطرفة فى المنطقة، والتراجع عن علاقتها المتنامية مع إيران وميليشيات حزب الله وإلا فإن البديل الآخر الذى لن يقل صعوبة، هو أن يعقد «تميم» تحالفاً مع إيران التى تحظى بالفعل بعلاقات اقتصادية كبيرة مع الدوحة أو مع تركيا التى سارع بتعيين جنرال منها قائداً للقوات المسلحة القطرية بالإنابة وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام طهران وأنقرة للتغلغل فى منطقة الخليج العربى ليصبح «الخليج الفارسى» كما تحلم إيران أو «ولاية للخلافة التركية» كما تأمل تركيا فى تحقيقه.. وعلى كل فإن الثمن الذى سيدفعه لقاء ذلك، سيكون مكلفاً لبلاده من حيث الخروج من مجلس التعاون الخليجى، واستحالة العودة إليه مجدداً.. وفى كلتا الحالتين ربما يسمع الأمير قريباً صوت الشعب والأسرة الحاكمة: «تميم.. طير انت»..!