الأسواق الشعبية فى رمضان: خضروات وفاكهة بلا زبائن وباعة يشمون الغلاء وتلف البضائع ووقف الحال
يتراصون بجوار بعضهم بلا حراك، تلك سيدة قادمة من الشرقية، معها قليل من الفلفل الأخضر والكوسة، وهذا رجل مسن وضع عدداً من البطيخ بجواره، وبنت جلست بجوار «مشنة» باذنجان أرهقها فصال «زبونتها» حتى طفح بها الكيل، وقالت: «الناس فاكرانا بنغلى عليهم الأسعار، وربنا عالم إحنا بنجيب البضاعة بكام»، يقاطعها بائع طماطم لم يكتفِ بوضع لافتة جنيه ونصف على بضاعته، فبدأ ينادى عليها ليجذب الزبائن لسلعة أساسية فى كل بيت وقال: «يا ناس إحنا فى رمضان كنا بنخلص البضاعة بعد أذان الظهر بشوية، دلوقتى لو قعدنا للمغرب لازم نروح ببواقى اليوم»، كساد البيع والشراء فى الأسواق الشعبية لم يشكُ منها فقط الباعة، بل كانت الشكوى الأكبر من المواطنين، يشعرون هذا العام برمضان مختلف، سلع بعضها غالٍ والبعض الآخر فى متناول اليد ومع ذلك غير قادرين على شرائه.
لم يكن التوصل لأسباب ركود السلع الأساسية أمراً سهلاً، فكلٌ يحمل وجهة نظر تحتمل الصواب، باعة يضطرون لرفع الأسعار لتحملهم تكاليف النقل وغياب البنزين الذى ظل لفترة، وتجار كبار يشكون من كساد عام بسبب الانفلات الأمنى جعل أنفار نقل البضاعة يطلبون المزيد من الجنيهات فى اليومية الواحدة، تعويضاً عن تعرضهم للخطر ومشقة السفر، ومواطن لا حول له ولا قوة، لا يريد أن يسمع تفاصيل رفع الأسعار ويكفيه أن مكونات «طبق سلطة خضراوات»، أصبح مكلفاً وكأنه سلطة فواكه وفقاً لوصف «أم أحمد» التى وقفت تحسب ما تتكبده يومياً وهى تشترى حاجتها من سوق شيكولانى وقالت: «كيلو الطماطم بـ2 جنيه، والخيار بـ2جنيه ونصف، الفلفل يتراوح بين 3 و4 جنيه، ورغم كدة مش قادرين نجيبهم، لأن الأولى إنى أجيب خضار ينفع للأكل زى الفاصوليا أو البامية بأسعارهم اللى وصلت لـ10 جنيه».
يقاطع «عمرو» بائع الطماطم بسوق الساحل السيدة الخمسينية وهو يشكو حاله، «يعنى كانت الطماطم بـ5 جنيه ولما وصلت الآن لـ2 الناس مش بتشترى، السوق فاضى وكل فين وفين على ما ييجى زبون، صحيح أن حالنا واقف طول السنة، لكن رمضان كان أملنا فيه كبير، لأن الناس كلها بتعملّه ألف حساب، فطار وسحور، الغريبة أن الناس شكلها مهموم ولا بتقرب من شراء أكل ولا غيره، طب لو كانت الناس مش هتاكل لحمة أو فراخ عشان غاليين، طب هتفطر وتتسحر إزاى من غير خضار».
«مرسى خرب البلد والإخوان لسة قاعدين على تلها»، كلمات رددتها سيدة أربعينية، وجدت الكاميرا تلتقط الصور للسوق ظلت تردد كلماتها وهى تقول: «تعالى كلمينى أنا عايزة أتصور وأقول اللى عندى، أنا اسمى نوال كل يوم بصحى الفجر آجى بشوية الفلفل دول والباذنجان من قليوب، بركب 3 مواصلات عشان أوصل للسوق هنا، كل مواصلة بترفع أجرتها بمزاجها، لما أحسب المشوار كلفنى قد إيه أضطر أبيع الحاجة بالسعر ده، وفى الآخر أرجع بنص الحاجة تانى، الناس مش عايزة تشترى، وفاكرين إننا تجار مع إننا شوية بياعين غلابة».
لم يختلف الحال من سوق الساحل إلى سوق جزيرة بدران الممتد من أول شبرا إلى بداية الكورنيش، باعة بلا زبائن، أو زبائن يحصلون على كميات قليلة من كل حاجاتهم، جلست أم عاطف أعلى عربة الخوخ تندب حظها «هى الناس بطلت تاكل فاكهة، طب لو الخضار غالى خدلك نص كيلو فاكهة يهون عليك عطش الصيام، إحنا عالحال ده بقالنا فترة كبيرة، حتى فرحة رمضان اللى كانت بتخلى الراجل ييجى يشترى منى فاكهة من كل صنف ولون مش موجودة، فى هم وناس خايفة من قنابل الإخوان اللى كل شوية يكتشفوا إنها موجودة».
فسرت الدكتورة سعاد الديب، رئيس الاتحاد النوعى لجمعيات حماية المستهلك ظاهرة كساد الأسواق بأنها حالة عامة جاءت انعكاساً للوضع السياسى الذى نمر به الآن، هناك خوف مسيطر على الشارع المصرى بشكل عام، بدأ قبل 30 يونيو جعل الناس يقبلون على شراء احتياجاتهم الغذائية خوفاً مما قد تصل إليه المظاهرات، وامتد لما بعد عزل الرئيس والأحداث الأخيرة أثرت عليهم نفسياً بشكل أن البعض لا يشعر بشهر رمضان كما يجب، لم يقيموا نفس العزائم والولائم، كنا نقول دوماً أن أول 10 أيام فى رمضان يستعد فيها الناس بالمزيد من الطعام والاحتياجات الأساسية، ولكن مع الوضع السياسى الحالى يتأثر الاقتصاد بطبيعة الحال والمزاج العام أيضاً، بالإضافة إلى استمرار ارتفاع الأسعار وثبات الدخل.