عام كامل يفصلنا عن شهر رمضان المقبل، وهى مدة زمنية كفيلة بقيام المجلس الأعلى للإعلام بدوره فى حماية حقوق المشاهد التى تم انتهاكها لسنوات طويلة، خصوصاً فيما يتعلق بالجانب الإعلانى على الشاشة، لم تعد المسألة متوقفة عند حدود الرسالة من وراء المُنتج الفنى، ولا ترتبط فقط بالألفاظ البذيئة المستخدمة، ولا بالمشاهد المزرية التى تنتقى أجزاء من جسد المرأة لإبرازها، فرغم أهمية كل هذه التفاصيل لكن ما زال هناك ما لم نتطرق له ويمثل أهمية أكثر من كل ما سبق.
لعلنا تحدثنا كثيراً عن كثافة الشلالات الإعلانية على الشاشة، خصوصاً فى شهر رمضان، التى بلغت أرقاماً قياسية، فبعض المسلسلات بلغت مدة المشاهد الفنية بها 15 دقيقة مقابل فواصل إعلانية بلغت نحو 45 دقيقة، وهو أمر مذهل فى الكثير من التفاصيل.
لقد تحول المشاهد من متلقٍ لأعمال إبداعية إنتاجية إلى آلة لضخ الأموال فى جيوب المنتجين وأصحاب القنوات الفضائية، وبدلاً من تقديم الشاشة لخدمات إعلامية للمشاهد تحولت لعرض منتجات إعلانية، وأصبح الإعلام مطابقاً للإعلان بدلاً من أدواره الأصيلة الفاعلة.
زيادة حجم الإعلانات تحتاج إلى ما يساعد على تحقيقها لذلك شاهدنا العشرات من المنتجات الفنية، التى حاول كل منها اجتذاب أكبر عدد ممكن من النجوم لجذب أكبر عدد من الإعلانات لتغطية التكاليف المذهلة للإنتاج، وهكذا تواصلت وتكاملت الدائرة لتغطية التكاليف وتحقيق الأرباح على حساب المشاهد الذى أصابه الملل، وضج من زيادة معاناته بعد أن تحول إلى آلة لتلقى الإعلانات بدلاً من الخدمات الأساسية للعمل الإعلامى، وتحولت الشاشات إلى محطات للدراما وغابت البرامج الترفيهية والمعلوماتية والخدمية لتلبية احتياجات التنوع المطلوب من أشكال الإبداع الإعلامى، وهكذا تم فرض مفهوم مختلف للإعلام تسبب فى تدنى المستوى، بعد أن أصبح التركيز الأكبر على جلب الإعلان وتسويقه بدلاً من تقديم الخدمات، وأصبحت الشعبوية هى القاعدة المتحكمة، وبالتالى جاء التدنى فى اللفظ والصورة أساساً والارتباك فى الحبكة الدرامية سمة من السمات الرئيسية بعد أن تحكمت عناصر الإثارة فى العمل الدرامى.
أين المشاهد وحقوقه من كل هذه التفاصيل؟ وهل تمت تلبية احتياجاته وتوفيرها؟ وهل يمكن اعتبار كل ما سبق جزءاً من المهام الأساسية للإعلام؟ وهل أسهمت الدراما وفقاً لكل ما سبق فى ترقية الإحساس والذوق الشعبى ورفع وعى المتلقى؟ أسئلة كثيرة تحتاج من المجلس الأعلى للإعلام الإجابة عنها خصوصاً ما يتعلق بالإعلام.
وفقاً للمعايير الدولية تصل المساحة الإعلانية إلى 20% فى الساعة، وهو معدل يساوى مثلاً ما يقرب من 12 دقيقة لعمل درامى مدته 60 دقيقة، وفى المساحات المفتوحة لا يتجاوز الإعلان نفس هذه المساحة التى تساوى فى الإجمالى نحو 288 دقيقة لكل 24 ساعة، وتلزم المعايير الدولية توزيع مساحة الإعلانات على مدار اليوم بنسبة 20% من كل ساعة،
ربما يتساءل البعض عن الصلة بين الإعلان وحقوق المشاهد وهنا يكفى القول إن تحديد مساحة الإعلان ستمنح المشاهد مساحة أكبر من مشاهدة العمل الدرامى الذى سيضطر منتجوه إلى تحسين مستواه حتى يجذب المشاهد، ولتصبح قاعدة التميز هى الجاذبة للإعلان، وسيؤدى كل ذلك إلى تخفيض أجور الفنانين المبالغ فيها، التى يتعلل بها المنتجون لتبرير زيادة مساحات الإعلانات، كما سيترتب على كل ذلك إعادة توزيع خريطة العملية الإنتاجية على العام كله بدلاً من تركيزها فى شهر واحد.
مراعاة حقوق المشاهد تساعد الإعلام على تحقيق أهدافه.