زيادة أسعار البنزين والسولار والغاز وأنابيب البوتاجاز والسجائر وكروت الشحن، وما سيتبعها من انفجار أسعار باقى السلع والخدمات.. هذه الزيادات كوم، والمنطق الذى يُبرّر به البعض هذه الزيادات كوم آخر، وهى إن دلت على شىء، فهى تدل على سخف يرقى إلى مستوى الجهل من جانب من يُردّدها، وسذاجة إلى حد «العبط» ممن يلتقطها ويُردّدها. تعالَ نُناقش بعض الرسائل الكوميدية التى أنصح بجمعها فى كتاب يحمل عنوان «دليل المحتار.. فى زيادة الأسعار».
«زيادة الأسعار تصب فى صالح الطبقات محدودة الدخل». تلك واحدة من الرسائل التى ردّدتها ألسنة «المبرراتية»، ولست أدرى كيف فكروا، ثم تمخّضوا هذه العبارة. فليُحدّثنا هؤلاء عن سعر ساندوتش الطعمية أو طبق الفول أو طبق الكشرى، بعد تحريك أسعار الوقود، ويقولون لنا كم سيكون؟!. والفول والطعمية والمكرونة هى الوجبات التى يلجأ إليها محدودو الدخل لملء معداتهم الخاوية، استناداً إلى أنها الأرخص والأقدر على منحهم شعوراً بالامتلاء والشبع، لا أطلب من هؤلاء أن يحدّثونا عن أسعار الدواجن واللحوم، فتلك الوجبات لم يعد أمام محدودى الدخل سوى النظر إليها وتأملها جيداً، ثم ترديد عبارة «إلى اللقاء فى جنات الخلد».
«زيادة الأسعار حماية للأجيال المقبلة». تلك هى المقولة الثانية، وهى مقولة لا تقل كوميدية عن سابقتها. سأُسلم معك بأن الإجراءات التى نتألم منها حالياً ستؤدى إلى إصلاح أحوالنا فى المستقبل، وأننا نعتمد نظرية «تعب ساعة ولا كل ساعة»، لكن أريد ممن يردد هذه العبارة أن يحدثنى عن مستوى تغذية الأجيال المقبلة، بعد ارتفاع أسعار الغذاء، وصحة الأجيال المقبلة بعد ارتفاع أسعار الدواء، وعقل الأجيال المقبلة بعد ارتفاع تكلفة التعليم، وأمل الأجيال المقبلة وهم يغرقون ليل نهار فى خطاب «لعن العيشة واللى عايشينها» على ألسنة الآباء والأمهات. أجدر بمن يتحدثون عن أن زيادة الأسعار ستخدم الأجيال المقبلة أن يُعدّلوا مقولتهم، ليقولوا: «اللى مش هتقضى عليه الارتفاعات الحالية فى الأسعار، ممكن يعيش فى المستقبل».
«لازم الأسعار عندنا تبقى زى الأسعار فى العالم». تلك ثالثة الأثافى فى خطاب «المبرراتية»، وهى عبارة تتناغم تماماً مع الفلسفة السياسية التى تنتهجها الحكومة الحالية «فلسفة التعويم»، فإذا واجهك أحد بنقد فى أى موضوع «غرّق القضية فى العالم»، وقل له «كل العالم كده». الكلام يبدو سليماً فى الظاهر، لكنه يُغفل أموراً أخرى كثيرة تتعلق بمستوى الدخل والرعاية الاجتماعية والصحية والتعليمية فى دول العالم الأخرى التى نقول إن الأسعار لدينا لا بد أن تكون فى مستوى أسعار السلع والخدمات عندهم.
على أصحاب هذا الخطاب أن يختزنوا سخافاتهم بداخلهم، ويرحموا هذا الشعب، لأن ترديد هذا الكلام يضيف إلى سحق الأسعار، نوعاً من الاستخفاف بهذا الشعب، وإذا كانوا يقصدون من كلامهم هذا تبليع الشعب الزيادات الجديدة فى الأسعار، حتى لا يحتج أو يعترض، فليُطمئنوا خاطرهم. فقصة أن يحتج هذا الشعب أو يعترض أصبحت فى خبر كان، فقد سبق ونزل الناس مرات كثيرة للاحتجاج على الأداء، ويبدو أنهم يئسوا من هذه الطريقة. قد تكون لهم طريقة أخرى نفاجأ بها فى ما بعد!.