القضاة.. انتصار «العدالة»
برحيل الإخوان عن الحكم وعزل رئيسهم محمد مرسى، خرج القضاء رابحا فى كل المعارك التى خاضها مع النظام الحاكم، وسطع نجم شخصيات قضائية كانت مؤثرة خلال هذا العام، أبرزها المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، والمستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، والمستشار حسن البدراوى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق، والمستشارة تهانى الجبالى، نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق.
فعلى مدار عام كامل من حكم تنظيم الإخوان لمصر، من خلال ممثله محمد مرسى رئيس السلطة التنفيذية، وسيطرتهم على السلطة التشريعية «مجلس الشورى»، دخل الإخوان فى صراعات وأزمات لا تنتهى مع «السلطة القضائية»، فتح النظام أكثر من جبهة فى معركته مع القضاء، بدأت بعد شهور قليلة من وصول الإخوان إلى الحكم، مع المحكمة الدستورية العليا، ثم مع النائب العام، وتارة أخرى مع جموع القضاة بشأن تعديل قانون السلطة القضائية.
كانت أولى معارك نظام الإخوان مع المستشار عبدالمجيد محمود، النائب العام السابق، حين أصدر مرسى قرارا جمهوريا بتعيينه سفيرا للفاتيكان، لكن خرج «عبدالمجيد» ليعلن رفضه قبول المنصب الجديد وترك منصب النائب العام، ليضع مؤسسة الرئاسة فى حرج كبير، بعد أن أعلنت عن موافقته على توليه المنصب الدبلوماسى.
ورغم تراجع مؤسسة الرئاسة وسحب قرار تعيين «عبدالمجيد» سفيرا بالفاتيكان، فإن الصراع بين النظام والقضاء كان قد بدأ بالفعل، حيث سبق ذلك قرار جمهورى بإعادة مجلس الشعب للانعقاد، رغم صدور حكم المحكمة الدستورية العليا بحله، فيما اعتبر تحديا من الرئيس للقضاء، لكن انتصرت المحكمة لحكمها وأصدرت حكما آخر بإلغاء قرار الرئيس، معتبرة إياه عقبة فى تنفيذ حكمها بحل مجلس الشعب.
وفى 21 نوفمبر 2012 بدأت أم المعارك، عندما أصدر رئيس الجمهورية إعلانا دستوريا، حصّن فيه قراراته من الطعن عليها أمام القضاء، وكل من الجمعية التأسيسية لوضع الدستور ومجلس الشورى من الحل، وعزل المستشار عبدالمجيد محمود من منصبه، وقام بتعيين نائب عام آخر هو المستشار طلعت عبدالله، نائب رئيس محكمة النقض ذو الميول الإخوانية.
إعلان مرسى سبق إصدار المحكمة الدستورية العليا لحكمها فى دعوى بطلان «مجلس الشورى» و«تأسيسية الدستور» بأسبوعين، حيث كان محددا لهما جلسة 2 ديسمبر 2012، ونفذه تنظيم الإخوان، من خلال حشد أنصاره بالشوارع فى مظاهرات تأييد «الإعلان» أمام دار القضاء العالى، والاحتشاد لمساعدة النائب العام الجديد فى دخول مكتبه فى جنح الليل وسط حراسة أفراد من الحرس الجمهورى وميليشيات الإخوان، كما بدأ أنصاره فى المبيت أمام المحكمة الدستورية العليا والاعتصام ليلة 2 ديسمبر لمنع قضاة المحكمة من الدخول والفصل فى دعاوى بطلان «الشورى والتأسيسية».
استمر الاعتصام أمام المحكمة إلى حين تم الاستفتاء على الدستور فى أواخر ديسمبر وتحصين «مجلس الشورى» من الحل، وإقصاء عدد من قضاة المحكمة الدستورية العليا بعد النص على تقليص عدد أعضائها إلى 11 قاضيا، ليخرج بموجب هذا النص 7 قضاة أشهرهم المستشارة تهانى الجبالى والمستشار حسن البدراوى، وكلاهما وقف فى وجه الرئيس المعزول محمد مرسى رافضين عدم إذاعة وبث أدائه القسم الدستورى أمام الجمعية العمومية للمحكمة وهو ما رضخ له «مرسى».
أمام هذه الاعتداءات كان للقضاة قول آخر، فعلى صعيد أزمة النائب العام اتخذ «عبدالمجيد محمود» الطرق القانونية بالطعن على قرار إقالته وبطلان تعيين «طلعت»، كما تشكلت لجنة من نادى القضاة للدفاع عن استقلال القضاء، وخاض المستشار أحمد الزند، رئيس النادى، معارك مع مجلس القضاء الأعلى والنظام الحاكم، استطاع فى النهاية أن يربحها وينتصر.
وحصل «عبدالمجيد» على حكم من دائرة طلبات رجال القضاء بعودته إلى منصبه نائبا عاما مع بطلان تعيين «طلعت»، لكن حال عدم استلامه الصيغة التنفيذية للحكم من تنفيذه، حتى صدر فى 2 يوليو حكم نهائى من محكمة النقض بتأييد حكم الاستئناف واعتبار الإعلان الدستور منعدما، وعودة «عبدالمجيد» إلى منصبه، وإعادة «طلعت» للعمل بمحكمة الاستئناف بدلا من «النقض».
أيضاً المحكمة الدستورية العليا، كانت أحد أكبر الرابحين بعد سقوط الإخوان، فالمحكمة التى حوصرت من قبل تنظيم الإخوان برعاية رئاسية، شاء القدر أن ينصفها ويكون رئيسها، المستشار عدلى منصور، هو رئيس الجمهورية المؤقت بعد ثورة 30 يونيو، إضافة إلى إمكانية إعادة أعضائها المستبعدين بعد تعطيل العمل بدستور الإخوان، وترشيح أحد قضاتها المستبعدين، وهو المستشار حسن البدراوى، لمنصب وزير العدل فى الحكومة الانتقالية، وصدقت كل توقعات تهانى الجبالى بسقوط نظام مرسى الذى داس القانون والدستور.
على صعيد نادى القضاة، كان المستشار أحمد الزند يقف بالمرصاد لمحاولات «أخونة القضاء» من خلال تمرير تعديلات قانون السلطة القضائية المقدمة من أحزاب «الحرية والعدالة والبناء والتنمية والوسط»، والتى تضمنت خفض سن تقاعد القضاة إلى 60 عاما بدلا من 70 عاما، فى مذبحة كانت ستطيح بحوالى 3500 قاضٍ من جميع الهيئات القضائية، كان للقضاء العادى النصيب الأكبر فيها.
وقف «الزند» ومعه شباب القضاة وأعضاء النيابة العامة فى وجه هذا المشروع -الذى وصفه رئيس نادى القضاة فى أكثر من مرة بـ«المشبوه»- حتى استطاعوا تجميده فى مجلس الشورى، وإسقاطه نهائيا بسقوط النظام ورحيل الإخوان عن الحكم.
ويعتبر القضاة انتصارهم فى معركتهم انتصارا للشعب المصرى قبل أن يكون انتصارا خاصا بهم، كما يقول المستشار محمد عبدالكريم، عضو مجلس إدارة نادى قضاة المنوفية: «المكسب الذى تحقق للقضاء هو مكسب للشعب المصرى، حيث أصبح القضاء مستقلا لا يتدخل أحد فى شئونه، كما تم إلغاء قرارات الضبط والإحضار التى صدرت من المستشار طلعت عبدالله بدون محاضر ضبط أو استدلال».
أما المستشار عبدالله فتحى، وكيل أول نادى القضاة، فيقول: «إن من ثبت على مبدأه ورضا ضميره هو من ربح، والرابح الأكبر هو الشعب المصرى الذى تحرر من الاحتلال الإخوانى، وقد كان الشعب ذكيا وقرأ ما بين السطور، حينما أعلن القضاة عن غضبتهم وإعلانهم الاعتصام بمقر ناديهم اعتراضا على الهجوم والاعتداءات التى يتعرض لها من الإخوان والنظام الحاكم».
ويضيف فتحى: «القضاة والشباب هم جذوة ثورة 30 يونيو، فالقضاة أسبغوا الشرعية القانونية على توكيلات حركة «تمرد» التى كانت سببا فى احتشاد ملايين المصريين بالشوارع لإسقاط نظام الإخوان، والشباب كانوا فى المقدمة..».
أخبار متعلقة:
الرابحون والخاسرون بعد سقوط «مرسى»
«تمرد».. البطل الشعبى
«الأزهر».. «يا جبل ما يهزك ريح»
الكنيسة.. تربح «الدولة المدنية»
الإعلام.. النجاة من سيف الاغتيال
«الأحزاب الدينية».. نهاية التاريخ
«الأوقاف».. تخلع عباءة «الوسطية» وتسلم نفسها لـ«الإرشاد»
القنوات الدينية.. البقاء لله
آل مكى والاستقلال.. أوراق محروقة