كثر الموت غدراً هذه الأيام. وأقصد به الموت الذى يفاجئ الإنسان فى وقت يبحث فيه عن الحياة. يموت الإنسان غدراً حين يخرج من بيته طالباً الحياة فيجد الموت فى طريقه. جنودنا وضباطنا على الحدود فى سيناء أبرز نموذج يمكن أن نتوقف أمامه. فقد خرجوا من بيوتهم جميعاً وذهبوا إلى مواقعهم حماية لوطن، ودفاعاً عن حياة البشر الذين أوكلوا إليهم مهمة حمايتهم من غدر الغادرين. فى لحظة غادرة اندفعت سيارات مفخخة، وداهمهم إرهابيون بأسلحة ممولة بأموال غزيزة، أعملوها فيهم بظلم، ليلقوا وجه ربهم شاكين إليه الغدر.
سيدة كانت تقف فى شرفة فى الإسكندرية تتابع واحدة من المظاهرات الإخوانية، فإذا برصاصة تأتيها من حيث لا تحتسب فترديها قتيلة، لتموت بين أفراد عائلتها مغدورة. بعض المواقع حكت قصة مقتلها، وأفادت بأن السيدة سمعت أصوات عشرات من جماعة الإخوان تهتف فهرولت إلى شرفة منزلها لتتبين ما يحدث فى الشارع الذى تعيش فيه فجاءتها الرصاصة. الشارع نفسه أصبح مرتعاً للموت المغدور جراء حوادث الطرق. آلاف المصريين يموتون أو يصابون دهساً فى حوادث الطرق، إلى درجة يمكن معها القول بأن الموت فى الطرقات أشهر أنواع الموت المغدور فى مصر، فلا يكاد يمر يوم إلا وتشهد شوارعنا حادثة يموت فيها من يموت ويصاب فيها من يصاب.
ليبيا تكشف تفاصيل العثور على جثث 48 مصرياً بالصحراء.. خبر نشره العديد من وسائل الإعلام منذ يومين. الـ48 مغدوراً من المهاجرين غير الشرعيين كانوا فى طريقهم للعمل بليبيا ودخلوا إليها بطريقة غير شرعية، وأشار بيان رسمى صادر عن منظمة الهلال الأحمر بطبرق أن فريقها انتشل 19 جثة مهاجر غير شرعى يحملون الجنسية المصرية من المنطقة، ولا تزال جثامين 29 آخرين ملقاة فى الصحراء لعدم توافر وسيلة لنقلها، مؤكدين أنهم بعد أخذ الإجراءات المطلوبة، جرى دفن الـ19 فى ساعات متأخرة فى مقبرة مجهولى الهوية غرب طبرق. هل ثمة وصف يبين حال إنسان يموت فى الصحراء، ثم تكتشف جثته بعد ذلك ليدفن فى مقابر تحمل يافطة «مجهول الهوية» سوى «الموت غدراً»؟
أشكال وأنواع عديدة للموت المغدور أصبحت ترتع فى واقعنا هذه الأيام. يمكننا القول إن هذا النوع من الموت موجود فى كل زمان ومكان، لكن الملاحظ هذه الأيام ارتفاع معدلاته وتنوع أشكاله بصورة غير مسبوقة، وهو ما يمنحنا مؤشراً لتحول غير طبيعى فى حياتنا، تحول لا بد أن نقاومه بكل ما أوتينا من قوة. فلا يعقل أن تكون أخبار الموت بسبب الإرهاب، أو الرصاصات الطائشة، أو السيارات الطائشة، أو بسبب البحث الطائش عن الرزق، هى الأكثر شيوعاً بهذه الطريقة. إن ذلك يعنى أن الفرد والمجتمع لم يعد كلاهما يهتم بفكرة الحياة أو حمايتها، أو احترامها والدفاع عنها، وهو أمر فى منتهى الخطورة، وتركه على هذا النحو ينذر بخطر أكبر، جوهره أن يتصالح فيه الناس مع فكرة الموت، أفهم أن يتصالح الناس مع الحياة، لكن أن يتصالحوا مع الموت فذلك أمر عجيب أشد العجب.