ناجٍ من الموت فى ليبيا: شربت «البول» لأظل حياً
راضى الناجى من الموت فى ليبيا يتحدث لـ«الوطن»
حتى اللحظة لا يصدق راضى نظير حليم، 30 عاماً، أنه نجا من الموت فى رحلة الجوع والعطش وسط صحراء ليبيا، وعاد إلى قريته الكشح، التابعة لمركز دار السلام فى سوهاج، ليجلس بين أفراد أسرته، بعدما اعتقد أنه لن يراهم مرة أخرى، خصوصاً عندما رأى زملاءه يتساقطون أمام عينيه تحت لهيب شمس لا ترحم.
«الوطن» التقت «حليم» فى منزله، وروى تفاصيل رحلة الموت بحثاً عن لقمة العيش فى ليبيا، معرباً عن ندمه على المجازفة بحياته هرباً من الفقر فى قريته، ويقول «نظرة إلى أسرتى، تساوى أموال الدنيا كلها»، خاصة أنه ذاق فى الرحلة طعم الموت، وفقدانه 2 من أصدقائه، هما جرجس قديس وحنا عادل يوحنا، بينما نجا معه وليد باسيليوس. بداية الرحلة، كما يحكى «حليم»، كانت مع تولى جرجس قديس التنسيق مع أحد سماسرة الهجرة غير الشرعية فى مطروح، وقال «اتفق جرجس مع السمسار على إيصالنا إلى طبرق مقابل 5500 جنيه، وسافرت مع أصدقائى الثلاثة إلى مطروح، والتقينا أحد البدو، الذى نقلنا بسيارته إلى مخزن فى منطقة صحراوية، وهناك فوجئنا بـ 53 شخصاً ولم يكن مسموحاً لنا بتناول مأكولات أو مشروبات خلاف المياه، وفى اليوم التالى، وصلت سيارة ربع نقل رباعية الدفع، وانطلقنا وسط الصحراء، وفى الساعة 3 عصراً تركتنا السيارة فى منطقة الجزيرة، مع 2 من أدلاء الصحراء، وبدأنا السير حتى وصلنا إلى سلك شائك، وأكملنا السير، وفى السادسة صباحاً، كنا على مشارف الموت، فلم يكن معنا مياه لاستكمال الرحلة، لأننا كنا نتصور السفر بالسيارات، وليس سيراً على الأقدام».
«حليم»: نجوت وصديقى «وليد» من موت محقق.. و2 زملائنا ماتا فى الصحراء أمام أعيننا.. وحدة عسكرية مصرية استضافت العائدين من «رحلة العذاب»
وأشار إلى أن الدليلين كانا يتصلان بأشخاص آخرين فى ليبيا، وعلى مدار 5 ساعات، كرر الدليلان مطلبهما بإرسال سيارات لاستقبالنا، وعلمنا أن السيارات لن تحضر بسبب مماطلة السماسرة، فأبلغت «جرجس» أننى لن أسير متراً واحداً، و«قررت العودة إلى مصر حياً أو ميتاً».
رحلة العودة لم تكن أقل صعوبة من رحلة الذهاب، حسب «حليم»، ففى الطريق لم يكن يعرف الاتجاه الصحيح فى الصحراء، موضحاً «كنت أسير لفترات طويلة، وعندما أشعر بالتعب أتوقف لأستريح، واعتمدت على أكل أى حشائش تقابلنى فى الطريق، بينما اضطررت إلى شرب البول، لأن البديل الوحيد هو الموت، وفى المساء، وصلت الحدود المصرية، وشاهدنى جندى حرس حدود مصرى، فنادانى بأن أتقدم دون خوف، فسقطت مغشياً علىَّ من التعب، وأفقت لأجد نفسى داخل وحدة عسكرية، وبعد أن وقّع الأطباء الكشف علينا، أحضروا لنا الماء والطعام، ثم نُقلنا إلى وحدة أخرى، وكان العدد يصل إلى 27 عائداً، وواحد من أدلاء الصحراء، وهناك علمت أن معظم الذين أكملوا الطريق ماتوا جوعاً أو عطشاً فى الصحراء الليبية».
وفى منزل قريب من «حليم»، التقت «الوطن» سامح سمير، ابن عم جرجس قديس لمعى، 29 عاماً، وقال «جرجس حاصل على دبلوم صنايع، ولديه ابنان، واعتاد السفر لليبيا منذ 10 سنوات، ولديه 3 أشقاء فى طبرق».
وأشار إلى أن «الشقيق الأصغر لجرجس كان موجوداً فى ليبيا وقت الحادث، واتصلت به السلطات الليبية، بعدما عثرت على رقمه فى ملابس شقيقه المتوفى، وتسلم الجثة، وأحضرها للقرية لدفنها»، وأضاف سمير «جرجس مكافح، وسافر ليوفر ثمن شقة الزوجية، خاصة أنه كان يعيش مع شقيقه المتزوج».