إنه الصيف..
موسم الألوان والأزياء المبهجة، وفرصة لكل امرأة كي تتباهى وتتأنق أمام قريناتها في المناسبات والمحافل الاجتماعية، لكن الوضع مختلف تماما بالنسبة لي كفتاة محجبة، فعندما تبدأ بيوت الأزياء العالميه بطرح تصميماتها الجديدة؛ تتبعها -مع قليل من الإضافات- بيوت الأزياء المصرية -نسبة للمحلة الكبرى- وهنا أبدأ معركة الصراع مع الذات، حيث انقسم لفتاتين، الأولى تقدم حبها للموضة والأناقة على الراحة والبساطة، والأخرى تدعم وبقوه حقها في الاستمتاع بصيف هادئ خال من الالتهابات الجلدية، وندبات القدم الناتجة عن ارتداء الأحذية الصيفية "الصندل" شاهقة الارتفاع "هاي هيلز".
وبعد قضاء أيام وأسابيع من البحث على الشبكة العنكبوتية عن مجلات الموضة، ثم مشاورات مع الأهل والصديقات، وصلاة الاستخارة، أخيرا أصل إلى قراري بشراء ملابس قطنية بسيطة ذات طابع رياضي للصباح، وأخرى أنوثية داكنة الألوان "كلاسيك" للمساء والسهرة إن وجدت.
ثم تأتي المرحلة الثانية فأبدأ بشحذ الهمم لي ولصديقاتي، لنستعد لمواجهة الضغوط الاجتماعية من ازدحام وأتربة ومشاجرات ركن السيارة، وتحمل نظرات الاتهام من القاصي والداني بالغباوة الأبدية في قيادة السيارات، وبالطبع أهم من الإعداد النفسي الإعداد المعنوي، حيث ترقب ومتابعة يومية لسعر الدولار، الذي ينعكس على سعر جميع المنتجات والمصنوعات بما في ذلك أعواد الثقاب.
وأخيرا تأتي مرحلة الاختيار والانتشار في المحلات، وهي المرحلة الأصعب على الإطلاق، تستمر آثارها النفسية إلى ما بعد الشراء، بل وتؤثر على العلاقات الاجتماعية وتقييم الناس لبعضهم، في تلك المرحلة تتبدد كل الأحلام وتتلاشى الأماني عندما تصطدم بصخرة الواقع أمام أول فاترينة، ويلح عليّ سؤال عجز العلم عن تفسيره، لمن تصمم تلك الترهات؟ ولمن أخذت تلك "الميني" مقاسات؟ أهن فتيات يعشن في مصر المستترة التي لا يراها أحد، أم أن هؤلاء الرشيقات قد حبسن في قلعة كبيرة شيدت خصيصا للحفاظ على هذا النوع النادر من البشر؟
ورغم كل الإحباط والضغوط لا أيأس أبدا، أجوب كل "المولات" وكل الـ"براندات"، وحتى أماكن الـ"ستوكات" ذهابا وإيابا، طلوعا ونزولا، حتى أحصل على ضالتي، وفي نهاية المطاف أخرج للعالم "مشرئبة الجبين" متألقة بأجمل إطلالاتي، بعد أن أوفق ذلك الـ"كارينا" مع تلك البلوزة مبتورة الكتف، على هذا البنطال المزخرف أعلاه، لأحصل على مظهر الاستاذ محمود عبد العزيز في دور "أبو كرتونة".
ومع كل خطوة أتصبب فيها عرقا، ولم تستطع تلك الأنسجة اللعينة أن تمتصه فتضعني في "سونا" ذاتية، أجد نفسي أدعي على من قام بالتصميم ومن عاونه، ومن قام بالتنفيذ ومن عاونه، أن تلحف جباههم النار، ثم يصبّوا في أكواب عملاقة من العرق.