(١) كان المرشد العام للإخوان محمد مهدى عاكف يتحين الفرص لتصعيد الدكتور عصام العريان إلى عضوية مكتب الإرشاد.. كان مقتنعاً به لأقصى درجة، وأنه أحق بعضوية المكتب من كثيرين، وأنه ظُلم من آخرين بعدم اختياره.. وفى ٢٠ أكتوبر ٢٠٠٨، أى بعد ٣ أشهر تقريباً من الانتخابات التكميلية لمكتب الإرشاد، تقدم الشيخ محمد عبدالله الخطيب بخطاب استقالة من عضوية المكتب، يذكر فيه أمراضه الكثيرة وكيف أنها تعيقه عن أداء واجباته، وأنه من الأمانة أن يترك عضوية المكتب.. تحمس المرشد «عاكف» لهذا الأمر بشدة، وكأن الفرج قد جاءه من أوسع الأبواب، على اعتبار أن ذلك سيتيح للدكتور عصام العريان الحصول على عضوية مكتب الإرشاد تلقائياً، فهذا حقه بموجب اللائحة.. ولا أدرى كيف تسرب خبر تقديم الاستقالة إلى وسائل الإعلام، ولا من الذى قام بذلك.. هل هو الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح الذى كان يهمه تصعيد الرجل إلى مكتب الإرشاد، حتى يضع أعضاء المكتب فى حرج؟ ربما.. لكنى أشك أن يكون المرشد «عاكف» هو من فعل ذلك.. وقد سئلت من قبل أحد الصحفيين عن موقف الدكتور «العريان» فى هذه الحالة، فأجبت بأنه فى حالة قبول استقالة الشيخ «الخطيب»، يصبح من حق الدكتور «العريان» اكتساب عضوية المكتب مباشرة.
(٢) الغريب أنه فى غضون أيام قليلة، قام أعضاء «لجنة اللوائح» بعمل بحث يؤكدون فيه عدم أحقية الدكتور عصام العريان فى التصعيد للمكتب(!).. والحق يقال، كان هذا البحث أعرج ومتهافتاً، ولا يحتاج إلى أى جهد ذهنى لإثبات عواره، وهو ما أكدته للمرشد «عاكف»، وأكدته فى فترة لاحقة للدكتور المستشار فتحى لاشين.. كان واضحاً عدم رغبة الأخوة «الأماثل» قبول الدكتور عصام العريان فى عضوية المكتب، فقد كانوا يكرهون الرجل كراهية عجيبة، ويتصورون أنه يسعى لكى يكون مرشداً فى يوم من الأيام، خاصة أنه كما سبق أن ذكرت يفوقهم فى أمور عدة؛ من حيث الذاكرة الحاضرة، والقدرة على التعبير، والتواصل المدهش مع وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية.. وحتى لو أن «العريان» كان يسعى أو يتمنى أن يكون مرشداً، فما الذى يضيره أو يضيرهم فى ذلك، لكنها النفوس الضعيفة والقلوب السقيمة، وهو ما كان يثير فى النفس غصة وحزناً وأسى (!) هاجم المرشد «عاكف» بشراسة وضراوة أعضاء مكتب الإرشاد (مجتمعين وفرادى)، وأبلغهم إصراره على تحمل تبعة قبول استقالة الشيخ «الخطيب» على عاتقه -حتى لو رفضها المكتب- وأنه ماض فى ذلك رغم أنف الجميع (!!)
(٣) فى هذه الأثناء كنت أترأس -بحكم اللائحة- جلسة المكتب حيث كان المرشد غائباً، وارتأينا أن هذا الجو المتوتر لا يصلح معه العمل أو حتى الوصول إلى أى قرار، خاصة أنه كانت هناك مشكلة مستعرة بين الدكتور محمود غزلان (عضو المكتب) وبين المرشد «عاكف»، وبالتالى كان لا بد من القيام بتهدئة النفوس وتصفية الأجواء قبل كل شىء.. وتشكلت لجنتان؛ واحدة تضم كاتب هذه السطور والدكتور محمد مرسى، تذهب إلى الشيخ الخطيب لمعرفة أسباب استقالته (رغم أن الرجل أوضحها فى خطابه ولا تحتاج لمزيد بيان، فضلاً عن أنها تعبير واقعى عن حالته الصحية)، والثانية تشمل الدكتور محمود عزت والدكتور محمد بديع، تنتقل إلى الدكتور محمود غزلان لمناقشته فيما لديه من أفكار حول تصفية الأجواء.. هنا، قفز الدكتور محمود عزت وقال: أنا أذهب والدكتور محمد بديع إلى الشيخ «الخطيب».. لم يكن الأمر يحتاج إلى ذكاء لإدراك الهدف الحقيقى من وراء هذا العرض، وهو محاولة إقناع الرجل بالعدول عن الاستقالة، وهو أمر لا غضاضة فيه، لكن الاستقالة فى هذه الحالة سوف يترتب عليها تصعيد الدكتور عصام العريان إلى المكتب(!).
(٤) ذهب عزت وبديع إلى الشيخ الخطيب فى منزله، ولم يكونا بطبيعة الحال فى حاجة إلى جهد لإقناعه، حيث قام الرجل من فوره واتصل هاتفياً بالمرشد «عاكف» وأعلمه أنه سيسحب طلب الاستقالة (!) كظم المرشد غيظه، ولم يشأ أن يرد على الشيخ «الخطيب»، لكنه فى اجتماع مكتب الإرشاد فى اليوم التالى كان منفعلاً للغاية وقام بتوجيه اتهام مباشر إلى «عزت» و«بديع» وأنهما «آثمان» لفعلتهما تلك (!)
(٥) عكفت على قراءة اللائحة التى تحكم قرارات الجماعة، خاصة فى مسألة استقالة عضو المكتب، فوجدت أن مجلس الشورى العام هو صاحب الاختصاص، وأن الاستقالة لا بد أن تعرض ابتداء عليه ليقرر فيها ما يشاء.. وفى مثل حالة الشيخ «الخطيب»، يقرر المجلس تشكيل لجنة طبية (من داخل أو خارج الجماعة) للتحدث مع الرجل والوقوف على حقيقة مرضه، وما الذى يحتاجه، فإن كان المرض شديداً يصعب معه الاستمرار فى أداء واجبات العضوية، فتقوم اللجنة برفع تقريرها إلى مجلس الشورى موصية بقبول الاستقالة، ليتخذ المجلس قراره.
(٦) فى اجتماع مكتب الإرشاد الذى قرر فيه المرشد «عاكف» قبول استقالة الشيخ «الخطيب»، ابتدأ حديثه بقوله: هل هناك من يريد التحدث فى موضوع الاستقالة؟ قلت: نعم.. بدأت حديثى بعرض الأسباب الواردة فى طلب استقالة الشيخ، وأنها توجب الاستقالة فعلاً، لكن هناك إجراءات نصت عليها اللائحة لا بد من اتباعها واستيفائها.. ثم قلت (موجهاً حديثى للمرشد): فإذا كنت تريد أن نمضى قدماً فى هذه الإجراءات فليس هناك أدنى مانع، وإن كنت تريد أن تتوقف عند هذا الحد فبها ونعمت.. صمت المرشد ولم يحر جواباً، ووجد أن الباب موصداً أمامه.. وبذلك أسدل الستار على موضوع استقالة الشيخ «الخطيب».. ومنذ ذلك الحين والشيخ يتردد على مكتب الإرشاد لحضور بعض الجلسات من وقت لآخر، لكن دون إسهام يذكر!