المنح تراجعت من 96 مليار جنيه فى 2014 إلى 1.1 مليار فى 2018
تراجع أسعار النفط عالمياً أثر سلباً على دول الخليج
شكلت صناعة النفط عماد اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجى الغنية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية -أكبر منتج للنفط فى العالم بحسب منظمة أوبك- والإمارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان، وعبر هذه الصناعة تمكنت الحكومات الخليجية من تكوين احتياطيات أجنبية ضخمة خلال العقود الماضية، انعكست إيجاباً على رفاهية مجتمعاتها، قبل أن تهبط أسعار النفط من نحو 115 دولاراً إلى ما دون 30 دولاراً، لأسباب ثلاثة، حددها البنك الدولى فى تقرير حديث له: «زيادة فى الإنتاج الأمريكى من النفط الصخرى، وتحول فى سياسة منظمة أوبك من استهداف سعر معين إلى الحفاظ على حصتها من السوق، وتراجع الطلب العالمى بفعل هبوط النمو الاقتصادى العالمى مقابل وفرة فى المعروض»، الأمر الذى كبَّد دول الخليج خسائر بلغت منذ الأزمة وحتى العام الماضى نحو 530 مليار دولار، بحسب صندوق النقد الدولى.
الخسائر التى مُنيت بها دول الخليج وعلى رأسها السعودية، التى تعد أكبر مانح لمصر، علاوةً على الحرب التى تقودها المملكة والإمارات فى اليمن ضد ميليشيات الحوثى وأنصار الرئيس المخلوع على عبدالله صالح منذ 25 مارس 2015 حتى الآن، أدت إلى تراجع الدعم المالى الخليجى لمصر عامةً، والسعودى والإماراتى خاصةً.
الصناديق السعودية والإماراتية لم توقع أى اتفاقيات تمويلية مع مصر فى 2017 مقابل اتفاقيتين فقط للصندوق الكويتى للتنمية.. و«المركزى»: مصر تلقت 30 مليار دولار فى 6 سنوات
«الوطن» طالعت موازنات السنوات من 2013 وحتى 2018، للوقوف على حجم المساعدات «المنح الخارجية» لمصر، وتبيَّن أن إيرادات المنح فى موازنة 2013 - 2014، أى قبل أزمة النفط، بلغت 96 مليار جنيه، تتمثل فى منح مالية بـ21 مليار جنيه (3 مليارات دولار بأسعار صرف الجنيه وقتها) من السعودية والإمارات، ومواد بترولية بـ53 مليار جنيه، ونحو 20 مليار جنيه فى صورة ودائع، وتراجعت هذه المنح فى موازنة العام التالى 2014 - 2015 إلى نحو 25.4 مليار جنيه، ثم إلى 3.5 مليار جنيه منحاً فى 2015 - 2016، قبل أن تشهد إيرادات المنح مزيداً من التراجع فى السنة المالية 2016 - 2017 لتصل إلى 1.6 مليار جنيه متوقعة، ثم 1.1 مليار جنيه متوقعة فى العام المالى الحالى 2017 - 2018.
طوال هذه السنوات لم تفصح الحكومة عن حجم ما تلقته من مساعدات خليجية لمصر، قبل أغسطس 2016، حينما أرسل البنك المركزى المصرى تقريراً إلى اللجنة الاقتصادية لمجلس النواب أكد فيه أن مصر تلقت 30 مليار دولار مساعدات منذ ثورة 25 يناير 2011، وذلك من 6 دول، هى على الترتيب المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت وقطر وليبيا وتركيا.
الضعف الاقتصادى الخليجى بدا واضحاً كمثال فى الموازنة السعودية للعام 2017، إذ حقق النمو الاقتصادى السعودى تراجعاً فى 2016 مسجلاً 1.4% مقابل 3.5% فى 2015 بفعل تهاوى أسعار النفط عالمياً، المورد الرئيسى لإيرادات المملكة، وهو ضعف عبَّر عنه بيان موازنة المملكة للعام 2017 بقولها إنه سيتم «تمويل عجز الميزانية عن طريق إصدار أدوات دين محلية ودولية وقروض، بلغت 200.1 مليار ريال عام 2016 والسحب من الاحتياطى.. وخفض مصروفات القطاع العسكرى من 205 مليارات ريال فى 2016 إلى 190.8 مليار فى 2017»، وعبر عنه أيضاً نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودى، محمد التويجرى، فى تصريحات نهاية 2016 قال فيها إن «المملكة كانت ستواجه إفلاساً حتمياً بعد 3 سنوات فى ظل الظروف الحالية وانخفاض أسعار النفط لولا اتخاذها الإجراءات الأخيرة المتمثلة فى إلغاء بعض البدلات وغير ذلك»، وهو ما يفسر تراجع الدعم المالى السعودى لمصر شيئاً فشيئاً.
يقول البنك الدولى، عن المملكة، فى موجزه الاقتصادى لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: «استنزف الهبوط الحاد لأسعار النفط فى عام 2014 مع ارتفاع مستوى الإنفاق فى السنوات القليلة الماضية الموارد الحكومية، ويسهم النفط بأكثر من 80% من الإيرادات الحكومية»، كما سبق للبنك الدولى أن توقع تبدد الاحتياطيات الأجنبية من النقد فى غضون 4 أعوام، إذا استمر عجز الموازنة السعودية بمستواه الحالى.
الصندوق السعودى للتنمية والمكتب التنسيقى للمشاريع الإماراتية فى مصر، نموذجان لمؤسسات خليجية كانت تنشط بقوة فى تمويل مشروعات البنية التحتية فى مصر قبل عامين، من خلال توقيع اتفاقيات تمويلية وتفقد مشروعات ممولة وقائمة، إلا أن ظهورهما اليوم بدا خافتاً، حسبما تشير بيانات وزارة الاستثمار والتعاون الدولى، والمكتب التنسيقى للمشاريع الإماراتية فى مصر.
وتراجع الدعم الخليجى، خاصة السعودى، إلى أن بلغ ذروته فى 2016، قابله ارتفاع فى المساعدات التى قدمتها دول ومؤسسات دولية أخرى على رأسها البنك الدولى، إذ كشفت وزارة الاستثمار والتعاون الدولى، فى تقريرها السنوى، الصادر قبل أيام، بعنوان «2016 عام من التعاون الإنمائى الفعال»، أن البنك الدولى احتل المرتبة الأولى من حيث المؤسسات المانحة الأكثر إسهاماً فى تمويل المشروعات التنموية، باستحواذه على 26% من المساعدات الإنمائية المقدمة لمصر فى 2016، تلته اليابان بنحو 8%، ثم الصندوق العربى بنفس النسبة، فالصندوق السعودى للتنمية بنسبة 8%، ثم الوكالة الأمريكية بنحو 7%، والبنك الإسلامى للتنمية بنحو 6%، وفرنسا بـ6%، فبنك الاستثمار الأوروبى بنسبة 6%، وأخرى بـ20%.
التقرير أشار إلى أن البنك الدولى قدم لمصر 2.5 مليار دولار فى 2016، بالإضافة إلى تخصيصه 500 مليون دولار لدعم التنمية المحلية فى صعيد مصر، بحسب التقرير، الذى أشار أيضاً إلى أن البنك الأفريقى للتنمية قدم لمصر 500 مليون دولار كشريحة أولى ضمن برنامج تمويلى لدعم برنامج الحكومة الاقتصادى والاجتماعى على 3 سنوات بـ1.5 مليار دولار.
الاتحاد الأوروبى، وفقاً للتقرير، قدم لمصر 280 مليون دولار، العام الماضى، وجهت لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وللصرف الصحى، ولتطوير المناطق العشوائية فى القاهرة الكبرى، ولتعزيز قدرات شبكة الكهرباء، ولدعم توصيل الغاز الطبيعى للمنازل فى 11 محافظة، يستفيد منه 1.2 مليون وحدة سكنية، وكذلك الإسهام فى تعليم نصف مليون طفل فى المحافظات الأكثر احتياجاً، وتقديم قروض لـ10 آلاف أسرة.
أما بنك الاستثمار الأوروبى، فخصص لمصر نحو 1.8 مليار دولار، لدعم إنشاء مشروع مزرعة الرياح فى خليج السويس لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء، وشراء 13 قطاراً للخط الثانى لمترو الأنفاق.
وبحسب التقرير، فإن صندوق «أوفيد» خصص لمصر 332 مليون دولار فى 2016 لدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لتوفير 23 ألف فرصة عمل، كما قدمت مؤسسات ووكالات منظمة الأمم المتحدة 197.9 مليون دولار لقطاعات الصحة والتعليم والبيئة والكهرباء والطاقة المتجددة والعدالة الاجتماعية، والشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفيما يتعلق بالتعاون الثنائى بين مصر ودول العالم، أشار التقرير إلى أن اليابان قدمت لمصر 2.3 مليار دولار العام الماضى لقطاعات الكهرباء والطاقة المتجددة، والنقل، والثقافة، والسياحة، والتعليم، والصحة.
الوكالة الفرنسية للتنمية خصصت لمصر 1.8 مليار دولار لتمويل مشروعات بقطاعات التعليم والكهرباء والطاقة المتجددة ودعم مشروعات الشباب، أما ألمانيا فقدمت لمصر 1.4 مليار دولار العام الماضى فى قطاعات عدة.
كوريا الجنوبية هى الأخرى قدمت لمصر قروضاً ميسرة ومنحاً بـ115 مليون دولار لتطوير شبكة السكك الحديدية، وإنشاء أكاديمية تكنولوجية فى بنى سويف.
أما إيطاليا، فوافقت على مبادلة ديون لها لدى مصر بقيمة 12.2 مليون دولار لتمكين المرأة والتنمية الاجتماعية ولدعم التعليم الفنى، فيما قدمت كندا 23.5 مليون دولار منحاً وقروضاً ميسرة، لصالح تنمية أسوان، ودعم ريادة الأعمال، والتغذية المدرسية، ودعم اللاجئين السوريين.
ووفقاً للتقرير السنوى للوزارة، فإن مصر قطعت شوطاً فعالاً فى تعزيز العلاقات التعاونية مع الدول والمؤسسات العربية، ومنها المملكة العربية السعودية التى قدمت لمصر 2.6 مليار دولار عن طريق الصندوق السعودى للتنمية، والصندوق السعودى للاستثمارات العامة، وذلك لتطوير شبكة الطرق السريعة، ورصف أخرى، وإنشاء طريق محور التنمية بموازاة قناة السويس، ولإنشاء مجمعات سكنية فى سيناء، وكذلك إنشاء 13 منطقة زراعية فى شبه جزيرة سيناء، باستصلاح 23 مليون متر مربع من الأرض، وإنشاء محطة مياه ثلاثية لمعالجة مياه الصرف لاستصلاح 60 ألف فدان، وإنشاء نظام صرف زراعى جديد لتوفير 250 مليون متر مكعب من المياه الزراعية لاستصلاح الأراضى، ولإنشاء جامعة الملك سلمان، ولتحديث وتطوير مستشفى قصر العينى، ولتوسعة محطة كهرباء غرب القاهرة.
الصندوق الكويتى للتنمية وقَّع مع مصر اتفاقاً تمويلياً فى صورة قروض ميسرة بقيمة 1.5 مليار دولار لتنمية سيناء، ولإنشاء خمس محطات لتحلية المياه فى جنوب سيناء وبورسعيد، ودعم مشروع محطة كهرباء جنوب حلوان، ودعم اللاجئين السوريين، ولإنشاء مصنع متكامل لإنتاج الخلايا الشمسية.
«الوطن» طالعت الموقع الإلكترونى لوزارة الاستثمار والتعاون الدولى (السبت 8 يوليو 2017)، وحللت بيانات المشروعات الممولة من الصندوق السعودى للتنمية، الذراع التمويلية للحكومة السعودية للمشروعات الإنمائية خارج حدود المملكة، وتبين أن العام 2017 لم يشهد أى توقيع لمشروعات جديدة، وأن آخر مشروعات وقعها «الصندوق» كانت بتاريخ 10 أبريل 2016، وشملت طريق النفق/طابا بمبلغ 280 مليون دولار، وجامعة الملك سلمان بن عبدالعزيز لتنمية شبه جزيرة سيناء بمبلغ 250 مليون دولار، وإنشاء محطة معالجة ثلاثية طاقة مليون م3/يوم لمعالجة مياه مصرف المحمسة بمبلغ 210 ملايين دولار، والتجمعات التنموية بسيناء (تجمعات الملك سلمان بن عبدالعزيز) بـ120 مليون دولار، ومشروع إنشاء قناة لنقل المياه بمبلغ 46 مليون دولار، وإنشاء عدد (13) تجمعاً زراعياً بمحافظتى شمال وجنوب سيناء، بمبلغ 106.13 مليون دولار، ومحور التنمية بطول 90 كم بمبلغ 80 مليون دولار، وإنشاء ورصف طريق الجدى بطول 80 كم بمبلغ 66 مليون دولار، وعدد (4) وصلات عرضية بطول 61 كم لربط محور التنمية بالطريق الساحلى، بمبلغ 50 مليون دولار، وأخيراً مشروع تطوير طريق عرضى رقم (1) المرحلة الأولى (ضمن برنامج الملك سلمان لتنمية شبه جزيرة سيناء) بمبلغ 28 مليون دولار.
صندوق أبوظبى للتنمية مثال آخر، حيث تشير البيانات المتوفرة على الموقع الإلكترونى لوزارة الاستثمار والتعاون الدولى، أن آخر ما وقعته مصر من اتفاقيات تمويلية مع الصندوق الإماراتى كان فى 1 يناير 2014 (شبكة الزهراء الزراعية توشكا)، وكذلك صندوق خليفة لتطوير المشاريع، الذى كان آخر تمويلاته وفقاً للموقع، فى 24 نوفمبر 2013 (دعم وتمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر 200 مليون دولار).
البنك الإسلامى للتنمية ومقرة جدة، وقع اتفاقاً تمويلياً وحيداً مع مصر فى 2017، تحديداً فى 18 مايو الماضى (مشروع مكافحة إنفلونزا الطيور بـ10 ملايين دولار)، كما هو الحال مع الصندوق العربى للإنماء الاقتصادى والاجتماعى ومقره الكويت، الذى وقع اتفاقاً تمويلياً وحيداً مع مصر فى 2017 هو الآخر، فى 19 أبريل الماضى، حينما موَّل إنشاء محطة كهرباء بنظام الخلايا الفوتوفلطية قدرة 50 ميجا وات بمدينة كوم أمبو بمحافظة أسوان، بقيمة 85.43 مليون دولار، فيما وقع الصندوق الكويتى للتنمية الاقتصادية العربية، اتفاقيتين لتمويل مشروع إنشاء محطة تحلية مياه البحر فى شرق بورسعيد بطاقة 150 ألف م3/يوم بقيمة 60.83 مليون دولار، وتمويل المشروع النموذجى لتكنولوجيا الزراعة العضوية والحيوية للمحاصيل الزيتية بمحافظة شمال سيناء بقيمة 330 ألف دولار.