«الإعلام لا دين له».. بهذه العبارة الصادمة يمكن أن نصف علاقة بعض القنوات الفضائية بنجوم ورموز التيار السلفى، ممن يحترفون «تكفير الأقباط» ووصم الفن بأبشع التهم والصفات وجلد المسلم ليل نهار لأنه شرير وعاصٍ، يحتفل بشم النسيم وعيد الأم وليلة النصف من شعبان والمولد النبوى الشريف.. ولم يتبق له إلا خطوة واحدة ويلقى بنفسه فى نار جهنم وهى أن يعيّد على الأقباط فى عيدهم!
المشكلة لم تعد فى الفتاوى الشاذة، ونجومها من «الإرهابيين»، بل أصبحت فى القنوات التى تستثمر تلك الوجوه العكرة، لتحدث «فرقعة إعلامية» وتحصد الملايين من الإعلانات، علاوة على ملايين المشاهدين على اليوتيوب والسوشيال ميديا، وليحترق المجتمع الذى ثار على الفاشية الدينية للإخوان وأصبح الآن خاضعاً وراكعاً فى محراب مجموعة من المهووسين والمختلين فكرياً مع بعض المنتمين للإخوان والممولين من الدولة الوهابية!
أين ضمير الإعلامى الذى ينصب «سيرك التكفير»، ويأتى ببعض المستنيرين ليضعهم فى «مأزق» مواجهة جهادى تفكيرى، ثم يفتح المداخلات التى تأتى فى معظمها لتصب فى جبهة «الشيخ الملتحى» الذى يفرك لحيته -بكل شماتة- وهو يرى المجتمع ينتفض ذعراً من فتاواه القاتلة ويتولى الإجهاز على خصومه فى «التوك شو» نيابة عنه؟!
لا أتصور أن من يستضيف «محمود عامر» أو «سامح عبدالحميد»، أو يمنح مساحة غير محدودة من البث الفضائى لـ«ياسر برهامى» أو «أبوإسحاق الحوينى» أو «عبدالمنعم الشحات».. لا أتصور أن ضميره يقظ، وأنه منحاز لهذا الوطن، يخشى عليه من «الفتنة الطائفية»، أو يخوض حربنا ضد الإرهاب!
ولا أتخيل أن دور «المجلس الأعلى للإعلام» هو أن يكتب «فقط» على «برامج الرعب» التى تستضيف هؤلاء: (+18 تنبيه لذوى القلوب الضعيفة.. هذا البرنامج قد يحتوى على مشاهد قاتلة)!!
وكأن السادة الإعلاميين لا يعرفون أن مجرد ظهور تلك اللحى على الشاشة، بما فيها من ملامح (كفار فيلم فجر الإسلام)، وهم يزمجرون ويتوعدون المسلمين بالنار والعذاب، والثعبان الأقرع، ويهددون المجددين والمفكرين بدعاوى الحسبة وقانون ازدراء الأديان، هم فى الحقيقة يكتسبون «مصداقية» ويزدادون شعبية، ويدوسون بهلاوسهم الفكرية على الدولة المدنية!
مَن المسئول إذن عن انتشار التطرف، الذى يمهد الأرض للإرهاب.. الشيخ الذى أهدر دم الأقباط أم الإعلامى الذى سمح له بذلك، وقبل بدور «المحلل» لعودة نجوم الإرهاب إلى صدارة المشهد؟!
أنا ضد كل قوانين المنع ومصادرة الفكر، لكن إذا كان ما يطرح من أفكار عدائية تحض على كراهية النساء والطرق الصوفية، وتحرم المعاملات البنكية لتضرب عصب الاقتصاد المصرى، إذا كانت الفتاوى الهدامة تؤدى إلى استهداف السياح وذبحهم من «خريج من الأزهر».. هنا يصبح منع هؤلاء قضية «أمن قومى».
عندما يظهر شاب مودرن مثل «شريف شحاتة»، ويتقمص دور الخبير الاجتماعى والفقيه الدينى ويقول: (لو لم يتحرش الرجل بمن ترتدى قصيراً أو تضع ميك آب ما يبقاش رجل)!!.. فهذا تهديد للأمن العام، لأنه يتضمن تحريضاً على هتك أعراض النساء ولو بالتحرش اللفظى!
وعندما يظهر «محمود عامر»، رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية بدمنهور سابقاً، ليكفر الأقباط، فهذا تحريض صريح على القتل.. وكان قبل ذلك قد حرم الموسيقى، بل حاكم «الأغنية» نفسها، فقال عن أغنية: «يا أغلى اسم فى الوجود»: (أم الدنيا هى مكة وليست مصر أم الدنيا).. فهذا إنكار لـ«مدنية الدولة» وهدم لثقافتها وحضارتها، وحرب معلنة على مبدعيها وفنانيها من كائنات ظلامية، تعمل على نشر أفكارها الوهابية فى المجتمع، وتقوم بغسل أدمغة الشباب تمهيداً لتجنيدهم فى صفوف الإرهاب.
قد أصبحت بعض الفضائيات منصة لهدم الدولة، وإعلاء لراية الحرب السلفية على المجتمع بهدف استعادة «سلطة» ما يسمى «رجال الدين» على الشارع بالتأثير فى البسطاء ومغازلة مشاعرهم الدينية.
محاربة التطرف والإرهاب تبدأ من حماية العقل المصرى من الهوس الدينى، من استنهاض «قوتنا الناعمة»، وإشراك المثقفين والمفكرين فى نشر ثقافة التنوير.
لكن الغريب أن المجلس الأعلى للإعلام الذى وافق على مشروع قرار بتطبيق غرامة 200 ألف جنيه على كل قناة فضائية و100 ألف جنيه على الإذاعات، على كل لفظ مسىء يتم نشره عبر إحدى وسائل الإعلام، على أن يتم سحب ترخيص الوسيلة الإعلامية التى تتكرر من خلالها الإساءات.. لم يجرم فتاوى التكفير وإهدار الدم!
نحن أمام مجموعة إرهابية منظمة، توزع جدول أعمالها على الأعضاء، وتوزع نفسها على الفضائيات التى تستقبله بجهل، أو طمعاً فى الشهرة والإعلانات.
امنعوا هذه القلوب المريضة والوجوه القبيحة من الظهور فى الإعلام، وحاكموهم بتهم التحريض على القتل وتهديد الأمن العام والسلم الاجتماعى.. حاكموهم حتى لا تكون فتنة فى الأرض.