يوسف شعبان: اعتزلت الفن حباً فى مصر.. والأفلام والمسلسلات دمرت السياحة العلاجية
يوسف شعبان
يملك الفنان الكبير يوسف شعبان أرشيفاً حافلاً من الأعمال المميزة، التى أثرت الحركة الفنية فى مصر والوطن العربى، سواء على صعيد السينما أو التليفزيون، ولكنه قرر اعتزال الفن فجأة، غضباً من حالة التدنى التى وصل إليها خلال الأعوام الأخيرة، واحتجاجاً على إهدار الجيل الحالى من الممثلين لما بناه جيله والأجيال السابقة وفقاً لوجهة نظره. «شعبان» فى حواره المثير مع «الوطن» يكشف حيثيات قرار اعتزاله، ويوضح حقيقة تسبب مرضه بالكلى فى ابتعاده عن الفن، ويطلق قذائفه النارية تجاه الجميع دون استثناء لأحد، لأنه يرى أن الكل باع مصر سعياً وراء مصالحه الشخصية.
تدنى الأخلاق أوصل فناناً للظهور بملابسه الداخلية فى برنامج واستعانة ممثلة ببلطجية للاعتداء على مخرج
■ لماذا اتخذت قراراً بالاعتزال بعد كل هذه السنوات من العطاء الفنى؟
- لأسباب عدة، أبرزها حبى لمصر وغيرتى عليها، بعد أن أصبح الكل «بايع البلد»، ويلهث وراء مصالحه الشخصية دون النظر إلى المصلحة العامة، مما انعكس سلباً على مستوانا الحضارى والفنى الممتد على مدى 120 عاماً، وعلى أثره أصبحت مصر «هوليوود الشرق» فى أعين العالم أجمع، ولكن مع الأسف هناك أناس يفتقدون الوعى والإدراك لحجم هذه الحضارة، التى أفنى أساتذتنا وآباؤنا وأجدادنا أعمارهم لأجلها، وأثمرت جهودهم عن انتشار الثقافة واللهجة المصرية فى ربوع الوطن العربى، ولكن المثير للدهشة أن وزير الثقافة حلمى النمنم غير منتبه لما يحدث على الساحة الفنية، وكأن الفن والثقافة ليس من اختصاصاته كمسئول عنها.
■ من تقصد بمقولة «الكل بايع البلد»؟
- كل من يملأ جيوبه بالمال على حساب مصر، وسكوتنا عنهم لا يجعلنا فى مصاف الفنانين، وإنما يحولنا إلى لصوص وقطاع طرق، ودعنى أتساءل: هل يعقل أن أغلب موضوعات الأفلام والمسلسلات الحالية مأخوذة من صفحات الحوادث فى الصحف؟ أين القصص الأدبية لكبار أدبائنا؟ لا بد أن يتملكنا شعور بالغيرة على هذا البلد، للتصدى بقوة للمحاولات الممنهجة التى تتعمد تخريب الفن المصرى، وهذا ليس كلاماً مرسلاً بل معلومات مؤكدة.
■ إذاً أنت تؤيد استنكار رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسى من تركز موضوعات الأعمال التليفزيونية على تجارة المخدرات والزنا والسحر؟
- نعم، ولا أدرى سبب تجاهل وزير الثقافة لكلام الرئيس، وإنه «سايب الحبل على الغارب» لبعض المنتجين، ممن أسسوا شركات إنتاج بغرض الربح وتهريب العملة، بمعنى أن المنتج حينما يبيع مسلسلاً لدولة عربية كالكويت مثلاً، يشترط تقاضى قيمة التعاقد هناك بعملة الدولة العربية، «وأدى فلوس مدخلتش البلد»، وبعيداً عن هذا وذاك، يكفى خراب السياحة العلاجية بأيدى أعمالنا الفنية، التى أظهرت المستشفيات المصرية بشكل حقير والأطباء بطبيعة انتهازية، مما دفع العرب للامتناع عن المجىء إلى مصر للعلاج فيها، «فحرام اللى بنعمله فى بلدنا، لأنها هى اللى عملتنا بنى آدمين، وكل منتج لازم يعرف إن مصر هى اللى لبسته البدلة وحطت الفلوس فى جيبه، وبالتالى لازم يؤدى واجبه ناحية البلد».
■ وما حقيقة أن معاناتك من أمراض الكلى كانت السبب الحقيقى لاعتزالك؟
- غير صحيح، لأن 75% من الشعب المصرى مُصاب بأمراض الكلى، وهى لن تعيقنى عن مزاولة مهنتى، خاصة أننى منتظم فى العلاج وتعاطى الأدوية، وحالتى الصحية فى تحسن مستمر.
■ اعتزالك للفن سبقه قرار مماثل من الفنان محمود الجندى...
- مقاطعاً: محمود الجندى يشاركنى الفكر والرؤية، لأنه ليس راضياً عن حال الفن، والغريب أن الجيل الحالى من الممثلين يتهافت لتقديم مسلسلات فى رمضان، وهؤلاء أقول لهم: «اعملوا شغل كويس وبطلوا استهتار»، لأن الشهر الكريم ما زال مقترناً بمسلسلات «الشهد والدموع» و«ليالى الحلمية» وغيرها من الأعمال التى شكلت وعياً فى وجدان الجمهور المصرى والعربى.
وزير الثقافة «سايب الحبل على الغارب» لمهربى العملة من المنتجين.. ونقيب الممثلين «عايم فى الكوسة»
■ معنى كلامك أنك لست راضياً عن مستوى المسلسلات التى عُرضت فى شهر رمضان الماضى؟
- من الصعب أن أشاهد مسلسلاً كاملاً، ولكنى شاهدت مقتطفات من الأعمال المعروضة، إلا أن تميز مستوى عمل أو عملين لا يعنى بالضرورة جودة باقى الأعمال، لأنك ستجد الكثير منها «زى الزفت».
■ وماذا عن رأى «محسن ممتاز» فى مسلسل «الزيبق» لكريم عبدالعزيز؟
- لم أشاهد أياً من حلقاته، ولكنى قرأت عنه كلاماً طيباً، ومتأكد أنه أحد المسلسلات الجيدة، لأن كريم عبدالعزيز فنان يحترم نفسه وجمهوره، وبما أن الأحداث مأخوذة من واقع ملفات المخابرات العامة المصرية، فهذا ينم عن واقعيتها بنسبة 100%، ولكن الدور والباقى على الأعمال التى يُغلف أحداثها البلطجة ومشاهد إطلاق النيران بشكل مبالغ فيه.
■ أتلمح إلى أعمال الفنان محمد رمضان؟
- لم أذكر أسماء لأشخاص بعينها، ولكنى دعنى أسألك: هل حدث منذ نشأة الوسط الفنى من أيام طلعت حرب أن يتطور خلاف بين ممثلة ومخرج فى أحد أعمالها ليصل إلى حد استعانة الفنانة ببلطجية للاعتداء على المخرج فى منزله؟.
■ أتقصد واقعة غادة عبدالرازق ومحمد سامى وقت عرض مسلسلهما «حكاية حياة»؟
- نعم، «اتفضل شوف المستوى والاستهانة إللى وصلنا ليه».
■ ألم يهاتفك أحد من مسئولى نقابة المهن التمثيلية للتعرف على أسباب قرارك؟
- «لأ، مين هيكلمنى يعنى؟!».
■ نقيب الممثلين الفنان أشرف زكى؟
- ضاحكاً: أشرف زكى «عايم فى الكوسة»، لأنه مشغول بتصوير أعماله التليفزيونية فقط، وبعيداً عن هذا وذاك، هل يعقل منح النقابة تصاريح العمل لغير المؤهلين لمهنة التمثيل؟ أذكر أن تصريح العمل حينما كنت نقيباً للممثلين لم يكن بإمكان أحد الحصول عليه إلا بعد خضوعه لاختبار من مجلس إدارة النقابة، للوقوف على مستواه الفنى وأحقيته فى مزاولة المهنة من عدمه، لكن شتان الحال بين هذا وذاك، فتجد عدداً من العاملين بالمهنة حالياً غير مؤهل للوجود فيها، فهل هذا هو حال الفن المصرى؟ هل وصلنا إلى حد قيام ممثل بخلع بنطاله وظهوره بملابسه الداخلية فى برنامج تليفزيونى؟ ألم يجل بخاطر هذا الفنان أن هذا البرنامج محط متابعة من السيدات والفتيات فى البيوت؟ أبناء جيلى كانوا يحذفون أى لفظ يحمل إساءة فى السيناريو، لأننا لا بد أن ندخل بيوت الناس باحترام، ولكن المحترمين حالياً على شاكلة على بدرخان وأحمد يحيى وعمر عبدالعزيز ومحمد عبدالعزيز وعلى عبدالخالق وأحمد النحاس، أصبحوا يلزمون منازلهم، رغم قيام الأجيال التى سبقت جيلنا بتسليمنا الراية، وضربنا لهم تعظيم سلام آنذاك، وحاولنا قدر الإمكان الإضافة على ما قدموه من فن عظيم، أو احترام ما وصلوا إليه وعدم مساسه بسوء حال عدم إضافتنا لأى جديد عليه.
■ وجهة نظرك تجاه النقيب تنطبق أيضاً على أعضاء المجلس الذين يوجدون بكثافة فى الأعمال الفنية؟
- بكل تأكيد، لأن المنتجين يسندون أدواراً لهم للتستر على مخالفات شركاتهم، وهنا أنا أحدثك عن واقع تجربتى كنقيب للممثلين فى وقت سابق، علماً بأننى تسلمت النقابة وقتها مديونة بمبلغ مليونين ونصف المليون جنيه، ولا أدرى أين ذهب هذا المبلغ؟، ومع ذلك رفضت التحقيق فى هذه الواقعة، منعاً لإظهار زملائى حرامية ولصوص، ونجحت فى سداد الدين، ووفرت دخلاً سنوياً للنقابة يتراوح من 2 إلى 3 ملايين جنيه من موارد تجاهلها مَن قبلى، أبرزها تحصيل مبلغ ألف جنيه من كل فندق 5 نجوم، كرسوم مستحقة عن جلسات السمر والرقص الشعبى التى تقام فى قاعاته، كما أسست نادياً للنقابة فى شارع البحر الأعظم، بدلاً من الشقة التى كان يتجمع فيها الأعضاء على أسطح إحدى العمارات، وانطلاقاً من كل هذه الإنجازات، أرى أننى أديت واجبى على أكمل وجه.
■ أخيراً.. ما الحالة التى ربما تدفعك للتراجع عن قرار اعتزالك؟
- أن أجد ردة فعل من وزير الثقافة ونقابة الممثلين إزاء الوضع الراهن.