"البرادعي" لـ"واشنطن بوست": الحوار هو الحل الوحيد للأزمة وعلى "الإخوان" أن يستمروا بالمشاركة في الحياة السياسية
أكد الدكتور محمد البرادعي، نائب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية، أن فض اعتصامات مسجد رابعة العدوية وميدان نهضة مصر بالقوة، هو الحل الذي يجب اجتنابه، "فالتعامل العنيف ليس حلا"، وأضاف أنه يوجد الكثير الغضب والتعامل بالعاطفة، "وهو ليس الأمر الذي نريد الذهاب إليه، نحن نريد أن نصل لحالة من قبول التنوع في وجهات النظر المختلفة، لأن هذا هو السبيل الوحيد للاستقرار، وما يتعين علينا القيام به الآن، وهو على رأس أولوياتنا، هو وقف العنف، الذي يوجد الكثير منه الآن".
وجاء كلام البرادعي في مقابلة معه أجرتها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، ونشرت غداة إعلان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، أنه لا يعتبر عزل مرسي انقلابا، بل إن الجيش المصري تدخل لإعادة الديمقراطية، وهو التصريح الذي أغضب الإخوان المسلمين وعزز المخاوف من تدخل وشيك لقوات الأمن المصرية لفك اعتصامين لمؤيدي مرسي في منطقتي رابعة العدوية والنهضة.[FirstQuote]
وأكد البرادعي أن الجيش يمكنه إقناع الإخوان المسلمين بفض اعتصام رابعة والنهضة بدون تدخل أمني، "ونحن بحاجة إلى فض الاعتصامات عن طريق الحوار، لأنني لا أريد سفك المزيد من الدماء، فالعنف يجب أن يتوقف تماما، والحوار هو المخرج الوحيد لفض الاعتصامات والانطلاق نحو بناء البلاد".
وأكمل الدكتور محمد البرادعي، أن محمد مرسي فشل "ليس لأنه عضوا بجماعة الإخوان المسلمين، وعلى أفراد الجماعة أن يفهموا ذلك، وأن فشله لا يعني استبعادهم من الحياة السياسية"، وتابع "يجب أن يستمروا بالمشاركة في العملية السياسية، ويجب أن يواصلوا المشاركة في إعادة كتابة الدستور وتقديم مرشحين إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية"، وأضاف أنه "كان يجب عليه الاستقالة عندما خرج ما يقرب من 20 مليون مواطن ينادون برحيله، وحيث أننا للأسف ليس عندنا عملية استدعاء أو إقالة كما في النظم الديمقراطية، فكان على الشعب أن ينادي الجيش للتدخل، وكان على الجيش أن يفعل ذلك وإلا انتهى بنا الأمر إلى حرب أهلية، لأن الناس الذين خرجوا في 30 يونيو لم يكن لديهم نية للعودة إلى منازلهم قبل رحيل مرسي، وهو ما كان سيتبعه من سفك للمزيد من الدماءفي حال استمرار الوضع على ما هو عليه، فكان الأفضل لمرسي أن يستقيل، لكنه لم يفعل".
وعن وصف ما حدث بـ"الانقلاب العسكري" من قبل البعض، قال البرادعي إن 20 مليون مواطن قالوا كلمتهم لمرسي، و"اضطر الجيش للتدخل لتجنب دخول البلاد في حرب أهلية، فهل هذا يجعله انقلابا؟ لا بالطبع"، وأكمل البرادعي أن ذلك "هو ما حدث مع نظام مبارك، إلا أننا هذه المرة كان لدينا الإخوان والسلفيين، ولدينا بلد أكثر انقساما مما كانت عليه أيام مبارك، ومع ذلك، فإنه لا أحد يريد أن يرى الجيش في السلطة مرة أخرى، والجيش نفسه يدرك أنه لا يستطيع أن يحكم وغير قادر على ذلك".[SecondQuote]
وأجاب البرادعي عن سؤال ما إذا كان سيترشح لرئاسة الجمهمورية القادمة، قائلا: "لا لن أترشح، حيث إن دوري سيكتمل عندما أضع بلدي على الطريق الصحيح، وأعتقد أنني سوف أفعل ما في مقدوري، بعد ذلك يجب أن يتم تغيير الجيل الحالي ممن في السلطة بجيل جديد، كما أفضل ألا أكون لاعبا أساسيا بعد انتهاء الفترة الانتقالية".
وعن المكان المحتجز به الرئيس المعزول محمد مرسي، قال البرادعي إنه "في مكان آمن لحمايته، فهناك اتهامات موجهة ضده، وما إن نوقف العنف ونبدأ الحوار، فإن كل هذه الأمور سيتم فحصها، ولن نتدخل في حكم القضاء، لكن هناك العديد من الأطروحات لنرى كيف سنتعامل مع لقيادات الإخوان المسلمين غير المتورطين في جرائم خطيرة، ومن المحتمل أن يطرح الخروج الآمن لهم على المائدة"، وتابع ردا على سؤال حول المكان الذي سيذهبون إليه بعد الخروج الآمن: "في أي مكان يريدون سواء داخل البلاد أو خارجها".
وأكمل البرادعي أن طريقة نيلسون مانديلا في المصالحة "التسامح مع عدم النسيان"، هي ما يسعى إليه، "أنا لا أدير البلاد، لكن يمكنني أن أحث على التسامح بمجرد ما نبدأ في التقدم للأمام، وجنوب إفريقيا مثال رائع على ذلك"، مضيفا: "أحب أن يكون هناك عفوا محتملا ضد التهم الموجهة للرئيس السابق مرسي، إن لم تكن هذه التهم خطيرة، لأن مصير البلاد أهم بكثير من ذلك".
ومن ناحية أخرى أشار البرادعي إلى وجود 90 مليون مصري غاضب، "الكل يعتقد أن لديه الحل، والبعض غاضب مني لأنني انادي بأخذ الوقت اللازم للحوار مع الإخوان، بينما المزاج الشعبي العام يقول أن نسحقهم ولا نتناقش معهم"، متابعا أن المصريين شاهدوا ثورة منذ عامين، وانتقلوا من نظام سلطوي شمولي إلى نظام ديمقراطي، "لكنهم لم يعرفوا كيف تعمل الديمقراطية ولا ما هي مقوماتها، وهذا يستلزم وقتا، كما كانت التوقعات عالية بعد الثورة، حتى إن كانت توقعات غير واقعية، لكن لم يتم تحقيق أي منها لأن لدينا بلد مريض في نواحي عديدة اقتصاديا واجتماعيا وماديا، لدينا فجوة كبيرة بين الفقراء والأغنياء، والملايين تحت خط الفقر، والأمية، والعديد من الأمور الأخرى التي تحتاج إلى حلول".
كما أكد البرادعي أن لا يوجد حوار تم تنظيمه مع الإخوان المسلمين، وذلك ردا على سؤال حول المنوط به التحاور مع قيادات الجماعة، وأكمل أنه سيكون سعيدا للعب هذا الدور، "فقط بعد توقف العنف".[ThirdQuote]
وعن المشاعر المعادية التي تنتشر في القاهرة تجاه الولايات المتحدة، قال البرادعي إن ذلك هو جزء من الغضب العام في الشارع المصري، "بعض من هذا الغضب مبرر والبعض الآخر لا يوجد ما يبرره، لكن هناك نظرية مؤامرة منتشرة تزعم أن الأمريكيين يدعمون جماعة الإخوان المسلمين"، وأكمل في هذه النقطة أن "الأمريكيين دائما ما يكونوا هدفا سهلا للشعبوية، خاصة في النظم الاستبدادية التي تريد أن تحقق رصيدا إضافيا لدى شعبها".
من جهة أخرى أشار البرادعي إلى أن المسؤولين في السعودية والإمارات كانوا سعداء بالتخلص من جماعة الإخوان، التي كانت تشكل خطرا وشيكا بالنسبة لهم، لذلك أمدونا بمال وفير، لكننا لا يمكن أن نستخدم هذه الأموال إلى بعد أن تهدأ الأوضاع الداخلية، حتى يمكن للاقتصاد أن ينطلق، إلا أن ما يهمني حقا هو التأكد من عودة السياحة والاستثمار الأجنبي المباشر، فمشكلتنا الأولى والثانية والثالثة هي النمو الاقتصادي".
وعن مدى مسؤولية الحكومة المؤقتة وما إذا كان يتم التشاور مع الجيش دائما، أجاب البرادعي أن "التشاور مع الجيش يكون في الأمور المتعلقة بالأمن القومي واندلاع مظاهرات، أما الأمور الأخرى مثل الخطط الاقتصادية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي فلا نتشاور فيها مع الجيش"، وأكمل أن الحكومة لا تريد أموال صندوق النقد لذاتها، "بل لأن ذلك سيعد شهادة ضمان أن الوضع الاقتصادي في مصر آمن، حتى نتمكن من الحصول على الاستثمار الأجنبي، وأنا شخصيا أرغب في إكمال المفاوضات مع صندوق النقد الدولي ما إن تستقر الأمور في البلاد".
وأشار البرادعي إلى علاقة مصر بإسرائيل، حيث أكد أن مصر الآن في مرحلة ديمقراطية حقيقية، "ويجب أن نتأكد من وجود سلام حقيقي مع الإسرائيليين، ولديهم الفرصة لذلك الآن، ففي السابق كان السلام بين الإسرائيليين ومبارك، وليس مع المصريين، وآمل أن يقتنصوا هذه الفرصة، إلا أن ذلك يتطلب تعديلات في سياساتهم تجاه الفلسطينيين"، وتابع أنه يتمنى أن يرى نتائج إيجابية لمحادثات جون كيري التي تستند إلى حل الدولتين، وجميع الركائز الأساسية التي أرساها بيل كلينتون في أسبوعه الأخير في الرئاسة، "وما إن يتم ذلك حتى يكون الطريق مفتوحا لتطبيع العلاقات مع الإسرائيليين كما أعتقد، ووجود سلام شامل بالمنطقة".
وعن أحداث المنصة التي أسفرت عن مقتل 72 من أنصار مرسي، قال البرادعي إن ذلك كان فظيعا، "دعوت إلى إناء لجنة تحقيق مستقلة، لنتتبع المخطئ في هذا الأمر أيا كان من هو، وأيا كان من بدأ ذلك، فنحن لسنا بحاجة لتكرار ذلك الأمر، بل يجب علينا وقف العنف والعودة إلى طاولة المفاوضات وبدء الحوار لإيجاد حل، فنحن محكومون بالعيش سويا"، وأكد أن الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، يشاركه وجهة النظر، "هو يعرف أن هناك حلا سياسيا لهذه الأزمة، لكنه أيضا المسؤول عن حماية أمن البلاد"، وأشار البرادعي أن السيسي لن يترشح للرئاسة، "عدم تفكيره في الترشح للرئاسة وكذلك عدم رغبته في أن يدير الجيش شؤون البلاد، هو أمر جيد، لكن في حالة الطوارئ يبحث المواطنون عن القوة، والقوة الآن في يد الجيش".
وأضاف البرادعي أن الجيش كان يجب أن يتدخل في المشهد، "فهذا واجبه الوطني لحماية الأمن القومي"، وأكد أن السيسي أخبره بأنه كان يتمنى لو استمع مرسي للشعب، ونجح في إدارة البلاد.
واختتم البرادعي حواره مع "واشنطن بوست" بأن المصريين يجب أن يعرفوا بوجود اختلافات فكرية بيننا جميعا، وأن مرسي كان يجب أن يرحل، "لدينا مليارديرات وفي المقابل 40 مليون مصري دخلهم اليومي أقل من دولارين، لدينا الكثير من الأمراض الاجتماعية والاقتصادية، لكن الأهم أن نجد وصفة للتعايش معا، لأن أي حل آخر معناه أن تنهار مصر وننهار معها".